رواية طريق المجد

- -

وقبل أن يبدأ النزال تفاجأ الجميع عندما ذهب يزن لأخذ السيف الخشبي، فقد كانوا يظنون أنه ساحر وليس مبارز بسبب جسده، بالرغم من أن أغلب السحرة تكون أجسادهم أفضل منه على أقل تقدير...

:- أهذه خدعة يا يزن؟ توهمنا أنك مبارز ثم تستخدم السحر؟"

:-لا عليك يا مهند، لست أبرع في السحر ولكني ماهر في المبارزة"

:-لا يهم، لن أتساهل معك أبداً"

ابتسم يزن ثم انتظر اشارة المديرة، وما إن أعلنت بداية النزال حتى اختفى من مكانه وظهر خلف مهند واضعا سيفه على رقبته، مجرد ثوان فقط لا أكثر، لم يفهم المشاهدون ما حدث ولكنهم كانوا موقنين أن يزن اختفى وظهر خلف مهند...

:- هل تعلن استسلامك؟"

:-اصمت، لقد هاجمتني على غفلة"

:- بل أحسن استغلال الفرص"

سحب يزن السيف قليلاً ثم بدأت الدماء تسيل، لم يكن الجرح عميق أو يهدد حياته ولكن إن كان يريد قتله، كنا سوف نرى جثة مهند على الأرض، ولكنه حافظ على كبريائه ومن ناحية كان يزن يسحب السيف رويداً رويدا، والجرح كان يتسع شيئا فشيئا ثم تحدثت المديرة...

:-لو كان هذا قتال حقيقي، كنت ستكون جثة قبل أن تدرك ما حدث يا مهند، وبهذا أُعلن خسارتك"

عض شفتيه من الغضب ثم أغمض عينيه.. :-أستسلم"

انحنى يزن قليلاً ليعبر عن احترامه، فبالرغم من طبيعته أثناء القتال إلا أنه يحترم خصمه أياً كان...

:- هزمتك بسبب عنصر المفاجأة يا مهند، وفي المرة القادمة لن أتراخى أيضاً"

:-سوف نرى"

:-والآن تم تحديد المنتصر في النزال الأول بين مهند ويزن، وسوف ننتقل إلى القتال الثاني بين ميار وسلطان"

تقدم المتنافسان ثم أعلنت المديرة عن بداية النزال... في البداية لم تفعل ميار شيء ولكنها أحاطت نفسه بدرع المانا ثم وقفت مكانها بلا حركة تنتظر هجوم خصمها بكل هدوء... رفع سلطان يده اليمنى ثم رتل بسرعة وخرجت ثلاث كرات نارية وانطلقت في اتجاه ميار، وما إن اقتربت منها حتى انحرفت وكأنها كانت تتجنب ملامستها...

كانت الابتسامة مرتسمة على وجه ميار مما جعل سلطان يغتاظ، ثم أخذ يرتل تعويذة أخرى حيث خرجت أسهم نارية فوقه مباشرة واتجهت لميار ولكن هذه المرة لم تنحرف، فقد كانت قوية وسريعة أيضاً، غير أن ميار تجنبتها بطريقة ساحرة، حيث ارتفعت في الهواء وتجنبت السهام كلها...

سلطان لم يستوعب الأمر لأنه في تلك اللحظة شعر أن الدنيا انقلبت رأسا على عقب فقد كان رأسه باتجاه الأرض وارتفع في الجو أكثر، ثم استوعب أنه وقع بالفعل في سحر ميار وأنها تلاعبت به ورفعته، وما إن حاول التحرر حتى أبطلت تعويذتها وسقط على كتفه، وهذا لم يكن كافياً ليجعله يستسلم...

:-أعطيك أكثر من فرصة لتظهر مهارتك، والآن عليك أن تستسلم لأني لا أحب استخدام العنف كثيراً"

تحدثت ميار وهي تطفو في الهواء كأنها طائر حر، ابتسامتها ونظراتها تدل على الغطرسة والغرور ولكن حديثا كان لطيف بشكل مبالغ فيه، تحاول إخفاء طبيعتها الأصلية فقط.

:-تحلمي بهذا، والآن سوف أصب جميع طاقتي لنرى إن كنتِ سوف تستطيعين تجن...."

لم يكمل كلامه، اختنق أثناء حديثه، رفع يده وحاول جاهداً ولكن لا فائدة وبدأ يفقد وعيه تدريجياً ثم تدخلت المديرة بسرعة...

:-توقفي يا ميار"

:-حسناً..."

كانت قد ألقت سحرها بشكل دقيق لتسد الهواء عنه وتمنعه من التنفس، لم يدرك أغلب الطلاب ما حدث بالتحديد فقد كانت المشكلة تكمن في تتبع السحر وتقلباته الدقيقة، ولو كان سلطان يستطيع استشعار تقلبات الطاقة في الهواء ومتابعة تدفق السحر لكان تجنب الاختناق ولكنه وقع فيه بكل سهولة...

:- انتصرت ميار على سلطان، والآن دعوني أسأل خصوم ميار، هل تعرفن سبب اختناق سلطان؟"

"......"

علامات التعجب ظهرت في وجوههن ولهذا أعلنت المديرة أن ميار قد انتصرت في جميع نزالاتها، كيف يستطيعون التغلب عليها وهم حتى لم يتمكنوا من معرفة السبب بالتحديد، والغريب أنه لم يعترض أحد على قرار المديرة، ولهذا توجهت الأنظار إلى يزن وخصومه، قد تم بالفعل اختيار خصمه، فقد كان المتبقين يعرفون بعضهم البعض جيداً ورشحوا أقواهم، وقبل بداية التحدي تحدث يزن...

:- عذراً على مقاطعتك أيتها المديرة، ولكن هل أستطيع استخدام سيفي؟ ليس من المنطقي أن يستخدم سحره وعصاه وأن أقاتله بسيف خشبي فقط"

كانت العصي مشهورة لدى السحرة، فقد استخدموا فيها حجراً صغيرا يعزز قوتهم السحرية ويسعادهم على إطلاقها بقوة أكبر، وكان طول العصا ما يقارب كف يد رجل بالغ أو أكبر قليلاً...

:- همممم.. معك حق، يمكنك استخدامه"

ذهب وأحضر سيفه وما إن وصل حتى بدأ بعضهم بالضحك على سيفه، وأطلقوا عليه الإبرة بدل السيف... سيف نحيف يشبه الإبرة تماما، ولكنه كان مناسب لمظهر يزن ومتناسق مع جسده النحيف...

:-قبل أن يبدأ القتال، دعوني أوضح لكم نقطة مهمة، مهما كان شكل السلاح أو حجم جسد خصمك وجنسه لا يعني أن تستهينوا به ولو قليلاً، بل عليكم أن تبذلوا جهدكم بحكم أنه خصم قوي، حتى لا تكون قوته مفاجأة فتكون الخسارة من نصيبكم، والآن ليبدأ النزال"

بمجرد إعلان البداية، أراد يزن الانطلاق بأقصى سرعة ولكنه توقف عندما رأى الجليد أسفل خصمه وكأنها منطقة محظورة، ثم سمع تعويذة أخرى تخرج من فم خصمه... "الصقيع المطلق"

كانت مهارة تجمد الخصم وتمنعه من الحركة، ولحسن الحظ كانت سرعة إطلاقه لسحره بطيئة وإلا لكان وقع يزن في ورطة كبيرة، فقد شعر بشيء بارد يلتف حول قدميه ثم قفز لمكان آخر، وفي اللحظة التي قفز فيها تجمد المكان الذي كان يقف فيه، وهكذا استمر الحال حتى شعر كلاهما بشيء من التعب، فالأول لم يستطع اصابة خصمه والثاني لم يتمكن من الاقتراب كثيراً...

:- هل تريدها معركة استنزاف يا يزن، سوف تخسر في النهاية؟"

:- افعل ما تراه مناسباً، ولكن عليك أن تنتبه جيداً فقد انتهى الإحماء"

:- حاول إن استطعت"

:-لك هذا"

انهى يزن كلامه وأدخل سيفه في غمده، ظن البعض أنه سوف يعلن استسلامه وبعدها ظهرت هالة حمراء في قدميه، فقد كان يقاتل دون استخدام الهالة بل يستخدم قوة جسده وحدها فقط ثم نطق ببضع كلمات وبعدها سقط خصمه مغشياً عليه...

"تجاوز الزمن" تلاشت صورته قليلاً ثم عاد لمكانه، أخذ يتنفس بسرعة وجثى على ركبته، وفي المقابل سقط خصمه على الأرض، كانت مهارته تجلعه يستخدم كل عضلة في قدمه وزودها بقوة هالته وركز الطاقة في قدميه، انطلق وظهر أمام خصمه ثم أخرج سيفه وضربه بقبضة السيف وعاد لمكانه، فعل كل هذا في أجزاء من الثانية فقط، ولهذا كانت ردة الفعل عنيفة ولم يستطع الوقوف جيداً، ووسط دهشة الجميع تم إعلان الفائز وإعلان استحقاقه لمنصبه، فقد استسلم من تبقى من خصومه بعدما انبهروا بحركاته ورشاقة جسده.

كان استخدام الهالة يتطلب تدريب الجسد بشكل كبير جداً، على عكس السحر، وهذا لأن الطاقة السحرية تكون في الأوردة ويختلف نقائها فيها، وتتحرك في الجسد مثل الدماء وليس لها شكل مادي وإنما تمر بكونها طاقة فقط، وأما الهالة فقد كانت قوة خالصة تظهر من العضلات مباشرة ولهذا تحتاج إلى تدريب مكثف أكثر من تدريب المانا، حتى لا ترهق المستخدم أو يتضرر أثناء قتاله، وفي العادة من يستطيع استخدام المانا بحرية كبيرة لن يتدرب على الهالة بشكل أساسي، وذلك لأنه لن يستطيع دمج الهالة مع الطاقة السحرية، والكثير حاولوا من قبل ولكن لا فائدة بسبب ردت الفعل ، فقد كانت قبيلة واحدة فقط تستطيع فعلها بسبب الدماء التي تجري في عروقهم.

- - - -