- -

كان قاسم يحدق في الوحش الذي تجاهله ونظر إلى الخلف، بدا وكأنه منشغل بشيء أهم... "أظنه لم ينتبه لي، حسنا سوف أغادر"

تنهد ثم قرر العودة والبحث عن كهف آخر ولكنه استرخى وأسقط السيف بقوة على الأرض مما جعله يصدر صوت... "أنا أحمق..."

التفت الدب المتوحش بسرعة وحدق في السيف، ثم زمجر وتقدم قليلاً وغرس مخالبه في الأرض وأخرج حجارة صغيرة ورماها في اتجاه قاسم، كانت السرعة عالية والدقة ضعيفة قليلاً، حيث مرت بعضها من جانب خده الأيمن، ولهذا رفع السيف وأمسكه بكلتا يديه ثم بدأ يصد الحجارة بسيفه وما إن توقفت قليلاً حتى انطلق ليقلص المسافة بينه وبين الدب، ثم وصل تحته مباشرة ولوح بالسيف ليضربه ولكن مخالب الوحش كانت قاسية وقوته كبيرة مما جعل قاسم يتراجع بضع خطوات إلى الوراء، ثم تقدم مرة أخرى وهذه المرة راوغ الهجوم الذي أتاه من اليمين، ثم ضرب يد الوحش بقوة ولكنه لم يحدث ضرر كبير فقد كان جلده سميك وقاس بشكل مخيف... استمر قاسم بمراوغة الهجمات وتسديد ضربات أخرى والتي كانت تبدو كخدوش في البداية ثم بدأت الدماء تسيل على الأرض... كان قاسم يستمتع بفعله هذا ولسبب ما بقي الدب ثابت في مكانه ولم يتزحزح وهذا بالطبع جلعه أضعف أكثر...

ينتظر الهجمات أو وصول قاسم تحته حتى يبادر بالهجوم، ولكن بعدما سالت الدماء على الأرض، ارتفعت طاقة الوحش أكثر ثم تقدم بضع خطوات... في هذه اللحظة كانت هالة الدب هي المسيطرة ونية قتله هي التي أحاطت بالمكان وأخيراً كشر عن أنيابه وأظهر شيء من قوته، ومع كل تلويحة من يديه كانت تخرج تلك الطاقة وتمزق الأرض معها، وبدأ قاسم يشعر بالمعاناة من قوة الدب، ففي كل مرة يتجنب الهجمات كانت تصيبه بعضها وذلك بسبب هجومه الواسع...

"هل أستخدم السحر؟"

ليس وكأنه يفقه كثيرا غير أنه أخذ بتعليمات معلمه بأن لا يستخدم السحر في هذه الفترة، ولكن المدة المحددة قد انتهت بالفعل، حسنا هذا قاسم الذكي...

"لا لن أستخد السحر بل سوف أركز على استخدام الهالة وحدها"

تنفس بهدوء ثم ركز على العدو الذي أمامه، لم تكن الخيارات كثيرة، ولم يستطع أن يقمعه بالقوة وحدها، حتى وإن كان يستطيع الصمود ولكن كان السؤال إلى متى، لأنه بالفعل مرت بضع ساعات منذ بداية القتال وإلى الآن لم يظهر الدب أي علامة تدل على استسلامه، بالرغم من الجروح التي عليه والدماء التي غطت الأرض إلا أن الوحش كان يزداد قوة مع زيادة مدة القتال، وبالنسبة لقاسم فإنه بدأ يشعر بالإرهاق، فقد كانت ضربات الوحش ثقيلة بشكل مخيف... كان مقتنع بشكل تام أنه لا يستطيع الاستمرار على نفس الوتيرة وإلا فإن مسيرته ستنتهي قبل أن تبدأ...

"سوف أجرب، يجب عليّ المخاطرة"

انطلق بسرعة ووجه ضربة باتجاه الدب وبالفعل توقع هجوم الوحش الذي أطلقه من ذراعه اليمنى،ولكن قاسم غير هجمته وكأنه أراد أن يتصدى لضربة الدب، بيد أنه وجه ضربة أخرى من طرف مقدمة السيف على طول ذراع الدب وهذه المرة تسبب أخيراً بجرح قوي حيث استغل اندفاعة الوحش وقوته ضده...

"ما خطب هذا الشعور"

كان يراوده شعور غريب وكأن الوحش يجبر نفسه على كبح قوته...

"لحظة... لماذا لم يتحرك الدب من مكانه، كنت أنا المهاجم وهو المدافع"

استوعب قاسم أن الوحش لم يبدأ الهجوم بل كان يدافع عن نفسه عندما رأى السيف، وكان يتقدم خطوتين على الأكثر ثم يرجع لمكانه، أشبه بطائر يحمي بيضته ولا يريد مغادرة العش حتى لا يصيبها أذى...

"من يهتم، سوف أقضي عليك"

استمرت هجمات قاسم حتى تغير فرو الدب من الأبيض إلى الأحمر من كثرة الدماء، وبالرغم من أن الدب أطلق هالته من قبل وكشر عن أنيابه غير أنه توقف بسرعة وعاد ليهاجم مثل المرة الاولى...

"أيعقل أنه كان مصاب؟.. لا أنكر أني شعرت بالخوف قليل عندما أطلقت طاقتك الكاسحة، ولكنك الآن تحت رحمتي"

في النهاية أطلق الوحش العنان لطاقته وانقلبت الموازين بشكل كبير، ثم بدأ يتقدم أكثر وأكثر ليوجه الهجمات لقاسم ولم يتوقف إلا بعدما تراجع قاسم ليحمي جسده المثخن بالجراح وبعدها عاد الدب لمكانه أيضاً... "تريدها معركة استنزاف ها... سوف أهاجمك بكل قوتي الآن"

شد عضلات يديه وأحكم قبضته انحنى قليلاً وانطلق بأقصى ما لديه، ركز على قلب خصمه فقط، لن يهتم إن وجه له خصمة ضربة أو اثنتين، وفي المقابل سوف ينتصر في هذه المعركة، سيخترق قلب خصمه وينهي هذا النزال العقيم الذي طال كثيراً...

الدب أيضاً ركز على مهاجمة قاسم ولكنه توقف بعدما اقترب منه...

"مهلاً... من أين ظهر هذا الدب الصغير، تباً"

ما إن وصل السيف بالقرب من الدب خرج دب آخر صغير من الخلف وعانق قدم الدب الكبير بشدة، كانت أنثى وهذا طفلها، لم تتقدم ولم تطلق العنان لقوتها من البداية لأنها كانت تخاف عليه، ففي مفهوم الأمومة لم يكن يفرق الجنس أبدا، حيوان، وحش، إنسان، الأم تبقى أم...

لم يستطع قاسم إيقاف هجمته، ولكنه حاول ألا يجعلها مميتة، ثنى السيف بكل قوته ولكنه تسبب في جرح عميق وتجمد في مكانه...

"هل أترك الرضيع بلا أم؟"

كان يرى صورته فيه، تذكر نفسه عندما عاش بدون وجود أمه بجانبه، ولن يستطيع أحد ملأ هذا الفراغ ابداً... "ماذا أفعل الآن..."

شعر بالعجز...

"هل تشعر الوحوش مثلما نشعر؟...ماذا إن كنت تركتها في حالها، هل كانت سوف تستمر في مهاجمتي؟"

كان إحساس الذنب يحيط به... رفعت انثى الدب رأسها وحدقت في عينيه، كانت الدموع قد نزلت على خديه ولهذا السبب ربما وصل الإحساس لها ثم نظرت في طفلها وكأنها تخبر قاسم أن يتركه في حاله وألا يقضي عليه، كانت تريد أن تكافح أكثر ولكنها خسرت الكثير من الدماء وجسدها مثخن بالجراح ولم تعد لديها قوة للوقوف...

"سوف أستخدمها الآن وأتمنى ألا أندم بعدها"

كان يريد استخدام التعويذة التي أخبرته عنها بشائر وعلمته كيف يستخدمها، ولكنها حذرته بأنها سوف تستنفد كل طاقته ويغمى عليه، فهذه التقنية لن يستطيع استخدامها إلا من لديه ثلاث هالات سحرية أو أكثر بداخل جسده...

وقف باعتدال وغرس السيف في الأرض ووضع كلتا يديه فوق قبضة السيف ونظر في عيني الوحش وابتسم...

"ستكون بخير!"

أنزل رأسه وأغمض عينيه ثم بدأ يركز في مسار طاقته واحاول إخراجها ببطء شديد من جسده ثم أصبحت ترى بالعين المجردة، كأنها سحابة خرجت من جسده واستقرت في جسد أنثى الدب، وبدأت جروحها تلتئم، وفي كل مرة يلتئم جرح كان يعاني قاسم أكثر، وفي النهاية فتح عينيه...

"هذا أقصى ما أستطيع أن أصل إليه، أتمنى أن تكونا بخير وعسى ألا ينهي هذا القرار حياتي، فلا زلت أريد رؤية شمس الغد..."

صنع مجده الخاص ثم أغمي عليه في مكانه، بقي شامخاً ولم يسقط حتى في أضعف حالاته.

- - -

2021/04/02 · 100 مشاهدة · 1000 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024