- -

لم يكن من المعهود مساعدة الوحوش أو التعاون معها إلا في حالة السيطرة العقلية أو تربيتها منذ نعومة أظافرها، ولكن أن تثق بوحش كنت تقاتله فهذا شيء من الخيال أو حتى تلك اللحظة على الأقل التي آمن بها قاسم، وربما بسبب الدفء الذي حمله في طاقته السحرية...

مخاطرة مصحوبة بفضول كبير، وكانت تساؤلات كثيرة في رأسه... وفي النهاية قرر اتباع قلبه وإشباع فضوله الذي لا نهاية له... "ماذا إن عالجته الآن وحفظت حياة صغيره، هل سيقاتلني بعدها؟" "حسنا، إن لم يهاجمني ماذا سوف يحدث؟" "أريد استخدام المهارة السحرية التي تعلمتها"

أسألة كثيرة كانت تراوده وفي النهاية استمع لقلبه وسلم أمره، فقد كان كل شيء يخبره أن يخاطر، قلبه، مشاعره، فضوله...

أغمي عليه لعدة أسباب ومن أهمها الإرهاق وفارق المستوى بينه وبين الوحش، كان قاسم في مستوى اليرقة الصفراء وخصمه أعلى منه بمستويين وتحول كامل، فقد كان مستواه في الشرنقة البيضاء، وبالرغم من أن الطاقة السحرية التي بداخله كانت فائضة إلا أن جزء كبير منها مختوم وفي نفس الوقت لم يتدرب على التحكم الدقيق بها...

كان الفرق مستوى التدريب يحدد من الفائز في القتال وذلك بسبب كمية الطاقة السحرية المتوفرة، فإن قلنا أن الذي في المستوى الأبيض في تحول اليرقة يستطيع استخدام ثلاث مهارات سحرية ثم تنفد طاقته، ومن يكون في المستوى الأخضر من نفس التحول، والذي هو أعلى بدرجة سيكون بمقدوره استخدام خمس مهارات سحرية حتى تنفد طاقته فسوف يفوز من لديه طاقة أكبر، وهذا ينطبق على شخصين بنفس الخبرة تماماً، ولكن الواقع يكون مختلف وبشكل كبير جداً... هنا تتدخل الحالة النفسية والاستقرار العقلي والخبرة المكتسبة وكيفية المناورة وأشياء كثيرة، تحدد الفائز بينهما مما يعني أن بناء الأساس شيء مهم قبل توسعة الطاقة السحرية بداخل الجسد...

كل هذه المعلومات كان حكيم يشرحها لقاسم في وقت سابق وعندما وجه له قاسم السؤال "كيف أستطيع معرفة مستوى خصمي ومستواي أيضاً؟"

لم يجب على السؤال الأول ولكنه أخبره كيف يفرق بين المستويات وفي البداية بدأ بذكرها جميعا...

"هناك ثلاثة تحولات وفي كل تحول سبعة مستويات، التحولات تبدأ بمسمى يرقة ثم تكون شرنقة وبعدها فراشة، وأما المستويات تكون مرتبة بهذه الطريقة، المستوى الأول يكون الأبيض والثاني الأخضر ثم الأحمر وبعده الأزرق ثم الأصفر، الرمادي، الأسود... وأما عن كيفية معرفتها والتفريق بينها، فإن الممارس الذي في تحول اليرقة يكون شكل طاقته كروي، وتحول الشرنقة يكون بشكل كروي مدبب وأما تحول الفراشة فلا شكل له، يكون حر في الجسد ويغطيه بأكمله، وعن كيفية معرفة مستوى خصمك فلن أخبرك الآن، ستفهم بعد انتهاء تدريبك"

كان قاسم يسترجع هذه الذكرى حتى يستمر في تدريباته بعدما استيقظ، ففي اللحظة التي استيقظ فيها، شعر أنه نائم في سرير مريح ثم تسائل...

"هل أنا ميت حتى أشعر بهذا النوم المريح والسرير الحريري" ثم احتضنه بقوة مما جعل أنثى الدب تستيقظ ورفعت رأسها، وتقابل رأس الدب مع رأس قاسم وتجمد مكانه قليلاً بعدما فتحت فمها...

"سوف يأكلني"

ثم أخذت تلعقه وكأنه صغيرها... "فعلتُها"

وبعدما استوعب الوضع قرر إكمال تدريباته واتخاذ الكهف سكن له، ولا ننسَ القطة التي كانت معه، بقيت بجانه ولم تغادره، بقي قاسم في كل يوم يتدرب باجتهاد وفي نهاية اليوم يأخذ الطعام لأنثى الدب وابنها، ولم يتغير جدوله أبداً بل أخذ يجتهد أكثر ويتعمق أكثر وفي كل مرة كانت تهاجمه الوحوش كان يقرر هل يقضي عليه أو لا، يتخذ القرار بناء على ردة فعل الوحش وطريقة تصرفه وماذا يفعل حينما يدير قاسم ظهره، وهكذا استمر وضعه، يتأمل في الصباح ويحاول دمج الهالة التي تنتج من عضلاته والطاقة السحرية التي بداخله وما إن ينتهي حتى يدخل لعمق الغابة...

انقضت الأيام ثم انتهى الشهر وتبعه شهر آخر وحتى الآن لم يصل حكيم، ولهذا كان الشعور بالقلق يداهم قاسم في بعض الأوقات، من ناحية كان يقول أن شيء ما قد حدث لمعلمه ومن ناحية أخرى يتذكر قوته الكبيرة والمخيفة ويستبعد أن يكون حدث شيء له، ثم بدأ يفكر في الأشياء المحتملة ولكن لا فائدة...

انقضت سبعة أشهر بالضبط وأخيراً قرر قاسم الرجوع بعدما وصل لمستوى الشرنقة البيضاء واجتاح جزء كبيرا من الغابة، وفي النهاية أصبحت تلك المنطقة تنتمي له وكأنها مملكته الخاصة، وفي نفس الوقت نقص عدد الوحوش الهائجة التي تخرج أحيانا لمهاجمة القوافل والتجار أو القرى المجاورة...

"تبا..ماذا حدث لك يا معلمي؟" "كنت أخطط للبقاء هنا أكثر وأنتظرك، ولكن لا أستطيع، يجب عليّ العودة إلى المدرسة حتى أتعلم أكثر"

عاد لداخل الكهف ثم ودع أنثى الدب وابنها، كان الصغير قد تعلق بقاسم كثيراً، فغالباً كان يتبعه ويقضي يومه معه، لم يفهم لحظة الوداع ولهذا تبعه وكأنه يوم عادي وما إن وصلا لخارج الكهف، أوقفته أمه من الذهاب، حاول التخلص من قبضتها ولكن لا فائدة، فقد كانت تعرف أن الفتى كان يودعهم، بكونها دب ولد بطاقة سحرية ومستواه يعتبر مرتفع، فقد بدأت تفهم تعابير البشر إلى حد ما، كانت أنثى الدب في حالة يرثى لها وكأنها تودع ابنها الذي لن تراه مرة أخرى، وكان قاسم يتجنب الرؤية إلى الخلف بسبب ملامح الحزن التي أظهرتها أنثى الدب، ولوهلة كان يريد أن يعدها بأنه سوف يعود، ثم استجمع عزيمته وأكمل طريقه...

وما إن ابتعد قاسم لمسافة حتى توقف فجأة...

:- إلى متى سوف تتبعني؟"

"....."

:- لا أحب هذا الشعور، فقد أحسست بوجودك من عدة أيام، هل تريدني أن أبادر أو تظهر نفسك؟"

"...."

:- إن بادرت أنا فلن أرحمك!"

أنهى كلامه وأغمض عينيه وفاض جسده بالطاقة ثم اختفى وظهر خلف المتسلل، ولكمه بقوة كبيرة جداً، ولكنها اخترقت الملابس وأصابت الشجرة، لم يكن العدو هناك، بل ملابسه فقط...

:- تحركاتك سريعة، ولكني لا زلت أشعر بوجودك"

انطلق قاسم مرة أخرى ليمسك بالعدو ولكن لا فائدة، فقد كانت مهارة خصمه غريبة بعض الشيء، وطاقته كانت تتلاشى فجأة، أي أنه يظهر في مكان محدد وعندما يهاجمه قاسم، يختفي تماماً وينتقل لمكان آخر، ضجر الفتى من تكرار ما يحدث ثم تحدث...

:- حسناً حسناً... سوف ألعب بجدية أكثر"

-

-

2021/05/02 · 104 مشاهدة · 905 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024