- -

انطلق قاسم مرة أخرى ليمسك بالعدو ولكن لا فائدة، فقد كانت مهارة خصمه غريبة بعض الشيء، وطاقته كانت تتلاشى فجأة، أي أنه يظهر في مكان محدد وعندما يهاجمه قاسم، يختفي تماماً وينتقل لمكان آخر، ضجر الفتى من تكرار ما يحدث ثم تحدث...

:- حسناً حسناً... سوف ألعب بجدية أكبر"

ثنى قاسم جسده قليلاً ثم أمسك السيف بيديه وأحكم قبضته ولوح به بكل قوته...

"....."

بقي المتسلل يحدق بصمت ولم يفهم ما يحدث، لأنه توقع شيء خطير سوف يحدث بسبب أن الأشجار الصغيرة والحشائش قد اقتلعت من الأرض من قوة التلويحة، ولكن النتيجة كانت مضحكة نسبياً..

ارتفع الغبار ثم تحدث قاسم...

:-تبا لم أعتد عليها، أعتذر منك أيها المتسلل، سوف أجربها مرة أخرى!"

"...."

كان المتسلل يتحدث فيه نفسه وكاد أن ينفجر من الضحك.. 'ما هذا الأحمق، وما الذي يفعله، وكأني أشاهد مسرحية مضحكة، هل أهج....'

:-أمسكتك"

قُطع حبل أفكاره عندما ظهر سيف قاسم خلفه، فقد كانت تلك الحركة عبارة عن تمويه فقط وكان يجهز عضلاته لا أكثر حتى يستخدم سرعته القصوى...

تحدث المتسلل دون أن يظهر وجهه، كان صوت رجل...

:-لقد أصبحت أقوى يا صغيري"

لم يكن الصوت غريبا لقاسم، ولكنه لم يعلم من المتحدث... :- لن أتوقف عند نقطة معينة"

:-رائع..."

:- مهلاً أين اختفيت"

اختفى المتسلل ثم ظهر خلف قاسم وضربه بقوة وارتطم جسده بالشجرة وكسرها، بعدها وقف على قدميه وأخذ يراقب محيطه بحذر، فقد كان خصمه يتميز بسرعته الخارقة... كان يظهر ليضرب ثم يختفي مرة أخرى، تارة يضرب قدمه وتارة أخرى يدفعه من ظهره، وفي النهاية ارتفع غضب قاسم كثيراً رفع السيف إلى الأعلى وأحكم قبضته كأنه يريد قطع شيء، وما إن ظهر المتسلل خلفه حتى أسقط قاسم سيفه بقوة كبيرة وتسبب بجرح لخصمه، لم يكن الجرح عميق ولكنه أصابه...

:- هذه البداية، والضربة القادمة قد تقطع يدك أو رأسك!"

:- مثلما أخبرني عنك، يجب عليّ الحذر منك"

أحاطت بالمتسلل هالة خفيفة لا تشكل أي ضغط أبداً ولهذا لم يعطها قاسم أي اهتمام، أراد التقدم ليضرب خصمه ولكن جسده أصبح مثخن بالجراح فجأة، ثم تراجع إلى الخلف لينظر إلى جسده الذي بدأ ينزف...

:- هيا يا فتى، ظننتك أصبحت أقوى، هل سوف تبكي الآن؟ عليك أن تنتبه للطاقة التي تقترب منك وتصفي ذهنك"

:-سوف نرى من ينتصر في النهاية، وهذه الخدوش لا تعتبر شيء بالنسبة لي...اوووه وشكراً على النصيحة!"

أخذ قاسم بنصيحة خصمه الملثم ذو القلنسوة، فقد كانت التساؤلات التي داهمت رأسه هي من تسبب في ضياع تركيزه... طالت مدة النزال كثيراً وبعدها اختفى المتسلل فجأة ولم يتبقى له أثر وقبيل أن يختفي قال :- سوف أزورك مرة أخرى"

بقي الفتى واقفا في مكانه يحاول استشعار المنطقة بهالته ولم يجد شيء ثم أكمل طريقه وسط الغابة وفي كل صباح كان يهاجمه نفس الشخص ولهذا لم يستطع قاسم التقدم كثيراً، حيث أنه يكون مرهق بعد كل نزال ثم يأكل وينام فوق أطول شجرة قريبة منه بسبب أنه طور حواسه بشكل كبير فإن اقترب أحد منهم فسوف يستيقظ... كان موقن أنه خصمه يريد تطويره وتعليمه، ففي كل مرة يتقاتلان فيها كان يخبره عن بعض الأخطاء وكيف يصححها... وأخيراً بعد شهر من هذا التدريب لم يستطع المتسلل مهاجمة قاسم أو إصابته بخدش...

:- إلى متى سوف تستمر، لا أظن بأنك سوف تعلمني شيء آخر ولهذا أظهر نفسك وأخبرني من أنت؟"

:- هل تشعر بالفخر الآن ويراودك إحساس أنك قوي؟"

:- لا أنكر أنك ساعدتني أبدا ولكني الآن اعتدت على سرعتك وأستطيع توقع أفعالك تقريباً"

:- يا صغيري هل تظن بأني سوف أظهر لك قوتي الحقيقية منذ البداية أو أستخدمها لقتلك؟"

"...."

صمت قاسم ولم يجب، ولكنه كان يريد استغلال الفرصة والكشف عن وجه خصمه، على الأقل كان يعلم أن خصمه رجل ولكن من؟ وفي النهاية كسر حاجز الصمت وتهور...

:- أظهر لي قوتك وفي المقابل أريدك أن تكشف عن نفسك"

:-همممم.. حسنا إن استطعت إصابتي إصابة قوية تجعلني لا أستطيع قتالك سوف أكشف لكن عن وجهي ولن أغادر"

:- متشوق... هل نبدأ؟

:- لقد حل الظلام بالفعل يا صغيري، كنت أقاتلك منذ الصباح، وأريدك أن ترتاح حتى تستعيد طاقتك ونشاطك"

:-أستطيع مواصلة القتال لا بأس"

:- أيها القوي!.. نلتقي بعد ثلاثة أيام، وهذه مهلة جيدة لك، أحسن استغلالها"

رحل وترك قاسم المتشائم... "تبا... كنت أريد الكشف عن هويته الآن ولكنه هرب... حسناً من يدري ماذا سوف يحدث بعد ثلاثة أيام، ولكن ما أعرفه بأنه يجب عليّ البحث عن شيء آكله ثم أنام"

وقبل أن يتحرك قاسم للبحث عن طعام توقف في مكانه بعدما سمع الصوت مرة أخرى

:- نسيت إخبارك يا صغيري، سوف أستخدم قوتي كلها بعد ثلاثة أيام وهذا يعني بأني سوف أستخدم مهارتي في الاغتيال ربما ولكني لن أقتلك بل سوف أثخنك بالجراح فقط..."

كان تحذير سريع ولن يستطيع قاسم لوم أحد غير نفسه، ولو أنه صبر أكثر لربما يكشف المتسلل عن نفسه بطيب خاطر...

في الأيام الثلاثة كان يتأمل ويعيد كل القتالات التي حدثت بينهما، ففي البداية يتذكر ويكون هو الطرف الثالث الذي يشاهد وبعدها يخوض القتال بنفسه في مخيلته واستطاع الكشف عن بعض الثغرات التي من الممكن استغلالها، كانت هذه الطريقة من أفضل طرق التدريب ولم يتقنها إلا القلة من المتمرسين...

أشرقت شمس صباح اليوم الثالث وكان قاسم قد استيقظ بالفعل وبقي يستشعر المنطقة حتى لا يتفاجأ بهجوم مباغت، ثم استل سيفه وصد الضربة القادمة من خلفه أو هذا ما بدا له، ولكن لم شيء وكانت طاقة موجهة فقط... 'على الأقل أعلم أنه يراقبني'

كانت تأتيه الهجمات من جهات مختلفة ويحاول صدها ولكنه يضرب الهواء فقط، ثم استجمع قوته في قدميه وقفز إلى الأعلى، كان أشبه بكونه يطير في الهواء وبعدما استقر قليلاً لمح خصمه ثم استجمع قاسم قوته في يده اليمنى ورمى سيفه في اتجاه المتسلل، كانت سرعة عالية جداً أسرع من سهم أطلق من مسافة قريبة، وتجمد المتسلل في مكانه وتأخر في ردة فعله وأصابه السيف في كتفه، فقد كانت حركة غريبة، من كان يتخلى عن سيفه منذ بداية القتال، ثم سقط قاسم على الأرض وهاجمه المتسلل...

:- غبي، من يرمي سيفه هكذا؟ هل تخليت عن حياتك بالفعل أو أنك شعرت باليأس من المواجهة، وربما دماغك لم يعد يعمل"

:- لا زلت أملك يدي!"

:- أوووه حقاً؟ إذن استمتع بصد هجوم خنجري بيديك"

وصل المتسلل قبالة قاسم وبدأ بطعنه، ولكن الفتى تراجع إلى الخلف ولم يصبه شيء، ثم هاجمه مرة أخرى ولكن الخنجر أصبح أطول فجأة، فقد أحاطت به هالة جعلت منه أطول، وأصيب قاسم بطعنات كثيرة ولكنها لم تكن غريزة ثم قفز خطوة كبيرة إلى الوراء وبعده قفز بكل قوته إلى الأعلى...

:- هل ظننت بأني لن أصل إليك هنا يا فتى؟"

:-بالعكس، بل توقعت هذا"

"...."

بعدها سحب قاسم يده بقوة... :- عد الآن"

شعر المتسلل بهجوم من الخلف وكان سيف قاسم الذي كان في الأرض، أخذ يطير مسرعاً ليعود إليه، كانت مهارة قد تعلمها قاسم وطورها بشكل خاص وأصبحت مهارة أساسية له بسبب السيف السحري الذي ورثه من والده...

:- مجنون، ما هذه المهارة"

:- هل أعجبتك؟"

كانت محادثة سخيفة بالفعل وفي وقت حرج، وما إن وصل السيف حتى تشقلب المتسلل ليتجنبه ولكنه استقبل تلويحة من قاسم وحاول صدها بخنجره، صد الضربة ولكن ردة الفعل كانت أكبر وأقوى فقد سقط بقوة وفي نفس الوقت انكسر خنجره...

:- أوووه... من الغبي الذي يصد سيف بخنحر؟"

:-تبا... لا بأس معي خنجر آخر"

:- رائع، سوف أستمتع بتحطيم خناجرك اليوم"

عاد قاسم إلى الأرض بالفعل ولم يكن في حالة مثالية، فقد كان جسده بأكمله به خدوش من خصمه وفي المقابل كان خصمه لا يستطيع استخدام يده اليسرى بحرية بسبب الإصابة التي على كتفه...

:-استهنت بك يا صغيري، أعتذر"

زاد الضغط حوله وظهرت منه أكثر من نسخة، أصبح أربعة، ثم هاجم قاسم مرة أخرى، في البداية كان الفتى يظن أن النسخ لن تظره ولكنها كانت عكس توقعاته، فقد قام بصد خنجرين بالفعل وأصابته الخناجر الأخرى، ثم تقوقع خلف السيف ليصد كل الخناجر المتوجهة له ولوهلة تذكر تدريبات معلمه حكيم عندما كان يهاجمه بتلك الطريقة الوحشية، كان يهيئه للمواقف المشابهة لهذا...

:-هل تستسلم الآن يا قاسم"

:- لا، هذا رائع... هاجمني بقدر ما تستطيع"

ارتفع شعور قاسم بالبهجة، وداهمه الحماس الشديد، للمرة الأولى يشعر بهذا، نشوة القتال والمحاصرة والرغبة في القطع، كانت ابتسامته غريبة بالطبع ثم تحدث مرة أخرى...

:- أريد المزيد... لا تخذلني"

تعجب المتسلل من حالة قاسم، فقد كان طبعه هادئ وحتى إن تحمس لم يكن يظهر بهذا الشكل الجنوني، ولكن حالته الآن جلعته وكأنه مجنون اشتاق للتقطيع أو محارب أراد العودة لساحة المعركة وتحطيم الأعداء ثم تحقيق النصر مرة أخرى، والآن وصل الفتى للنشوة!...

تغير لون عينيه قاسم وخرج منهن بريق ذهبي شفاف وجسده أطلق هالة سوداء غريبة وكانت تحيط بجسده فقط، ثم خرجت طاقة أخرى من جسده واندمجت مع تلك الهالة السوداء، دمج بالفعل الطاقة السحرية مع الهالة الجسدية... لم يدرك المتسلل شيء غير أنه تم قطع نسختين منه بالفعل وتلطخت الأرض بالدماء، وبالرغم من كونها نسخ إلا أنها كانت حية تقريباً فهذه مهارة سحرية خاصة تنسخ الجسد ولكن النُسخ لم تبقى لمدة طويلة ولهذا اختفت بعد قطعها بثوان، ثم هاجم مرة أخرى وهذه المرة تقدمت نسخة لتمسك بالسيف بعدما غرسه قاسم فيها، والأخير هاجم معصم قاسم... ترك قاسم السيف وكان المتسلل قد وصل قبالته بالضبط ورفع الخنجر وما إن وصل خنجره بالقرب من عنق قاسم حتى ارتفع جسده وفقد وعيه، كان قاسم قد ترك السيف ووجه لكمة قوية جداً، وجهها للمنطقة التي بين صدره وبطنه، في الوسط تماما، ثم ارتفع جسد المتسلل في الهواء وفقد وعيه...

:- انتهيت بالفعل؟ دعني أرى من يتخبئ خلف هذه القلنسوة واللثام"

انتهت فترة النشوة والشعور بالسعادة، بعدها استوعب قاسم الوضع، ندم على ما فعله، فقد كان المتسلل يريد تدريبه فقط ولم ينوي القضاء عليه ولو أنه أراد قتله لفعلها منذ مدة ولكنه أخذ يدربه، والآن لا يدري هل مات المتسلل أو أنه أغمي عليه فقط، أراد نزع اللثام ولكنه شعر بالخوف وارتجفت يده، ماذا إن نزعه وكان المتسلل شخص عزيز عليه ولم يستيقظ بعدها، كيف سوف يعيش مع هذا ثم قرر... "سأنتظرك حتى تستيقظ، فإن أفقت سوف أرغمك على نزعه وإن مت سوف أدفنك دون نزعه عنك!"

كان الخيار صعب والنتيجة مخيفة، لمجرد نشوة نسي كل شيء وهاجم بكل قوته ولم يكبحها ولو قليلاً، حتى وإن لم يكن يعرفه، على الأقل لم يكن ينوي قتله أبداً، ثم أخذه ووضعه تحت شجرة كبيرة وبقي ينتظر استيقاظه.

2021/05/02 · 86 مشاهدة · 1602 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024