لم يختلف هذا التدريب في قسوته عن آخر مرة بل أصبح أقسى، لأنه في هذه المرة منع قاسم من استخدام سيفه.

فقد كانت مهمته أن يشوش على طاقة حكيم وإبطال هجماته فقط ومراوغتها إن لم يستطع تشتيت تعويذته، وبالطبع لم يستخدم المعلم سرعته للقصوى في إطلاق هجومه وإنما أخذ يزيدها بتدرج.

وهذه المهارة التي يحاول قاسم إتقانها كانت هي السبب التي جعلت حكيم يعود إلى القرية ويقابل بشائر حتى تكتمل المخطوطة السحرية، فقد تم تقسيمها إلى قسمين وما إن يتم جمعهما حتى تظهر المخطوطة الأصلية وطريقة استخدامها.

حتى وإن حاولوا استخدامها فلن يستطيعوا وذلك بسبب متطلبات هذه المهارة، فقد كان من ضمن شروط استخدامها أن يحتوي جسد المستخدم على ثلاثة طاقات مختلفة من السحر ويجب أن يكون اثنان منهما الضوء والظلام ويكون الثالث مكمل لهما، فقد اعتمدت هذه المهارة على ابتلاع الطاقة السحرية أو تشتيتها، وبالطبع لم تكن معروفة أبداً، لأن من ابتكرها كانت حوراء أم قاسم ولم تخبر أحد عنها، غير أنه في حرب القمة لاحظها الأعداء وأصبحت هدفهم، وما إن أحست حوراء بأنها ملاحقة، نقلت التعويذة للمخطوطة ووضعت نصفها عند حكيم والنصف الآخر مع بشائر.

اعتز قاسم بهذه المهارة بالذات؛ لأنه اعتبرها هدية من أمه أو هكذا أخبره معلمه بأنها أثمن شيء وكانت مخصصة له فقط، وما إن تعلمها وفهمها حتى أحرق المخطوطة.

كان قاسم قد غرق في أفكاره ولكن وجهه كان يعكس كمية الحقد التي دخلت في قلبه لينتقم ممن فعلوا هذا بعائلته، أراد أن يصرخ بأعلى صوته ويعلن عن اسمه واسم عائلته ولكن ماذا بعد ذلك... هل يستقبل موته بصدر رحب؟.

ثم ربط حدث موت والده، وتذكر كلمات المغتالين 'حتى وهو مسمم، كاد أن يقضي علينا'.

ارتفعت نية القتل عنده وبدأت تخرج من جسده طاقة مخيفة ذات لون أسود قاتم، أخذت ترتفع منه وكأنها تبتلع كل شيء تلمسه، ثم تناثر الختم الذي وضعته بشائر فيما مضى وخرجت منه طاقة صفراء ثم تبعتها طاقة زرقاء ولكنها كانت مجرد ثوان حتى ابتلعتها الطاقة السوداء الممتزجة بهالة جسده وفي النهاية اخترق قاسم وارتفعت قوته مباشرة لتكون في مستوى الشرنقة الحمراء.

بقي حكيم يراقب ما يحدث له بكل حماس وفي نفس الوقت شعر بالقلق من هذه الطاقة المظلمة ولكنه كان يعلم بأنها لن تظره بشيء غير أن المشكلة في قاسم إن استطاع التحكم فيها ام لا.

ثم مد يده وربت على رأسه.

:- لقد كبرت حقاً".

عاد قاسم من بحر خيالاته وتلاشت الهالة السوداء تماماً، بقي ينظر في وجه معلمه والدموع قد غطت وجهه.

:- لن أخذلهم".

ثم تنفس الصعداء وبعدها بدأ تدريباته التي لن نرى نتائجها الآن وربما نراها في البطولة التي سوف تقام بعد بضعة أشهر.

**.

كانت ميار تنتظر بشوق عودة قاسم فقد سمعت كل ما حدث معه وأن قوته تطورت وارتفعت كثيراً مما يعني أنه سوف يستطيع الخروج للمهام الخارجية التي تصدرها المدرسة ولكن الشرط الوحيد هو أن يشارك في البطولة حتى يتم تقييمه ولا يهم مركزه أبداً، ولكن هذا صديق طفولتها ولن يشارك إلا للحصول على المركز الأول.

ويزن كذلك كان يشتعل من الحماس لدرجة أن نشاطه زاد وتمريناته كثرت في الآونة الأخيرة منتظرا عودة غريمه.

وبينما كانا يمشيان في مرافق المدرسة حتى ناداهما المشرف ثم أخذهما لمكتب المديرة... كانت مفاجأة بالنسبة لميار ويزن، فقد كان جميع الطلاب المنتسبين لمجلس الطلبة قد حضروا.

:- هل يوجد خطب ما أيتها المديرة؟".

:- لا شيء يا ميار ولكني كنت أفكر في ترتيب قتال بينك وبين يزن!".

تحدث يزن:- أعتذر ولكن لماذا يجب علينا أن نتقاتل؟ أقصد لا أمانع بالطبع التدريب معها على قتال حقيقي ولكن هل يوجد سبب؟".

:- دعوني أوضح لكم نقطة معينة، أنتم أيها الطلاب تمثلون قوة المدرسة ولهذا لا بد أن تحصلوا على المراكز العشرة الأولى وأنتما الاثنان حجر الأساس، وإن لم أرضى بهذا القتال سوف أعطي صلاحياتكم لغيركم".

بعدها تحدثت ميار مباشرة ولكنها ألقت بقنبلة.

:- لا تنسِ أن المركز الأول تم حجزه مسبقاً".

:- ولمن؟".

:- قريباً سوف يعود قاسم".

لم يكن من المفترض أن تذكر هذا، ولكن بسبب حماسها المفرط وكان هذا إعلان بأن يزن شوف يخسر أمام قاسم... وقفت المديرة من مكانها ثم غيرت الموضوع مباشرة، حتى لا يقال بأنها استخدمت سلطتها لإدخال قاسم الذي تغيب لمدة سنة وأنها قد تذكر بأنه تم تدريبه بشكل خاص ولذلك تحدثت مباشرة حول موعد النزال بين يزن وميار، متجاهلة تساؤلات بقية الطلبة ثم أمرتهم بالانصراف دون السماح لأي منهم بالسؤال.

وفي صباح اليوم التالي كانت ميار تستعد للمبارزة التي سوف تقام بعد بضع ساعات ضد يزن... في الحقيقة كانت تعد خطة ضده وترتب أفكارها لكي لا تخسر ضده، وكان يزن أيضا يفعل المثل.

:- والآن بما أن الجميع قد حضر، سوف يبدأ النزال بين ميار ويزن حينما يعلن كل منهما استعداده".

كان الجو العام هو التوتر فقد كانوا يتطلعون لرؤية من سوف يكون المنتصر بينهما، وهذا لأن ميار عرفت بقسوتها وقوتها ويزن أيضاً.

:-مستعد".

:-جاهزة".

:-أعلن عن بداية القتال".

بدأت ميار بالهجوم وأطلقت قذائف هوائية باتجاهه ثم راوغها بكل سهولة وبعدها تقدم ليضربها بسيفه وما إن وصل بقربها حتى وقع في فخها، فقد كانت قد وضعت بعض سحرها على الأرض ولما وقف عليها تفعلت واختل توازنه.

استغلت ميار الفرصة وأطلقت مهارة قوية جعلت الهواء مضطرب لكي لا يستعيد يزن توازنه ولكنها لم تصبه، كان بالفعل استعاده عندما ضرب بيده على الأرض وقفز ثم انطلق مرة أخرى ووصل بقربها ووجه طعنة لكتفها ولكنه لم يصبها بل فقد توازنه مرة أخرى بسبب طاقة الرياح المحيطة بجسدها، ثم وجهت طلقة هوائية أقوى من سابقتها في بطنه.

تدحرج على الأرض ثم قام بسرعة ولكن تعويذة ميار كانت أسرع، رفعته في الهواء ولكنه لوح بسيفه بقوة ونزل إلى الأرض ثم :-تجاوز الزمن".

لم تستطع ميار مجابهة انطلاقته الكبيرة وبعدما أصابها ببعض الضربات فقد كانت سرعة القائها للسحر أبطئ منه بقليل، بقيت تتجنب بصعوبة بالغة وفي النهاية تحدثت :- لن أكبح نفسي أكثر...تحرير الجسد، نصل الرياح".

طارت في الهواء ثم ارتفعت حدة الرياح المحيطة بيزن، وبدأ يكافح لصد الهجمات المتوجهة إليه، كان يراوغ بعضها ويصد الأخرى ومنها كانت تصل لجسده، لم يستطع الوصول لميار وبقي الحال هكذا مدة وفي النهاية قرر الكشف عن ورقته الرابحة.

:- تتبع الهدف".

لوح بسيفه في الهواء وظهرت سبع كرات نارية، تجاهلت كل شيء وحلقت متجهة لميار.

بالرغم من أنه لم يكن ساحرا غير أن جسده يملك طاقة سحرية ولكنها قليلة مقارنة بالسحرة العاديين ولهذا لم يستخدم مهارته هذه إلا في وقت الحاجة وللحظات الحرجة فقط.

وصلت الكرات النارية لميار، حاولت تشتيتها ولكن لا فائدة، فقد بلغت حدها تقريباً ثم نزلت إلى الأرض وفعلت الدرع، اصطدمت مهارة يزن بدرعها ولكن الغريب أنها لم تختفي بل بقيت تدفع الدرع بقوة حتى انكسر وما إن وصلت بالقرب من جسدها :- تبا... درع العاصفة".

كان هذا الدرع يستهلك الكثير من الطاقة السحرية بسبب صلابته، حتى أنه يستطيع منع وابل من السهام. ولكنها لم تكن تريد أن تخسر بأي طريقة، كانت الكرات النارية تحاول اختراق درع العاصفة ولكن لا فائدة ولم يستطع يزن المهاجمة بسبب أنه كان يركز على التحكم بهذه الكرات، فقد كانت تقيد حركته وفي النهاية تشتت مهارته واندثرت.

:- أستسلم".

:- هل تشفق عليّ يا يزن؟".

:- لا لا... قد بلغت حدي بالفعل يا ميار ونحن أصدقاء ولهذا إن استمر قتالنا أكثر قد يتأذى أحدنا وربما لن نستطيع المشاركة في البطولة".

:- حسناً... إذن هذا تعادل".

كان الجميع قد فقد أعاصبه، بسبب شدة القتال والسبب الثاني هو افتقارهم لمثل هذه القوة.

:- رائع... لم أكن أتوقع أقل من هذا منكما يا يزن وميار، حسنا والآن لن أقلق بشأن صورة مجلس الطلبة أثناء المنافسة، أستطيع ضمان المراكز الأولى على الأقل".

لم يكن القلق الحقيقي لهذه البطولة فقط بل لما بعدها، وهذا لأن العشرة الأوائل سوف يتنافسون مع مدارس أخرى في بطولة المملكة ولن يشارك فيها إلا العشرة الأوائل فقط من كل مدرسة.

لم يتحدث أحد من الحضور بل خيم الصمت حتى عاد كل منهم لغرفته وتم اصطحاب يزن وميار إلى العيادة حتى يتم شفائهم من اصابات القتال الودي.

2021/05/31 · 102 مشاهدة · 1232 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024