انقضت الأيام بسرعة وبقي يوم على موعد البطولة.

كانت الساحة كبيرة جداً وتم ترتيب الكراسي بنفس عدد الطلاب والمشرفين وتمت اضافة مجموعة قليلة منها للاحتياط.

كان عدد المشتركين ستة مآئة مشترك وبعدما تم إعداد الأرقام، وضعت في صندوق وتم إجراء السحب...

كانت ميار تبحث في كل مكان عن وجود قاسم وكذلك يزن كان يبحث معها وفي النهاية لم يجدوا له أثر، بالرغم أن السحب قد انتهى...

تغيرت ملامحها قليلاً وبدأت تشعر بالقلق لأنها كانت تتطلع للقائه بشدة ولكنه لم يحضر ثم توجهت للمديرة مباشرة وقبل أن تتحدث ميار قاطعتها المديرة

:- لا عليكِ يا ميار، لقد سحبت رقمه عوضاً عنه وسوف يكون هنا قريباً"

:- شكراً"

كان الشكر أقل ما يقال في حق المديرة فقد فعلت شيء لم ينبغي لها فعله ولكنها تجاوزت الحد بالفعل ولو وصل هذا الخبر لبقية الطلاب لحدثت ضجة كبيرة ولهذا لم تتكلم ميار أكثر من شكرها ولم تسأل عن شيء آخر.

**

لم يتأخر قاسم بسبب تدريبه بل أخذ يضبط أعصابه أكثر بعد قراءته للرسالة التي تركتها أمه، فقد تذكرها قبيل مغادرته ولما بدأ يحدق فيها، ظهر ضوء ذهبي ثم استطاع قراءة جزء آخر منها، لم تكن كلماتها كثيرة ولكنها مختصرة...

'أولاً أبارك لك على وصولك لمستوى الشرنقة يا صغيري، أتمنى لو كنت بجانبك الآن ولكن لا يهم وبحكم أني لا أستطيع كتابة الكثير فسوف أختصر لك، في البداية لن تستطيع قراءة الرسالة كلها إلا بعدما ترتقي في مستوى تدريبك وكلما ارتفعت أكثر سوف تكتشف أكثر،وحينما تقرأ رسالتي فهذا يعني أني لا زلت على قيد الحياة وفي نفس الوقت أستطيع الشعور بك عندما تقرأ جزء منها. سوف أكشف لك عن وضعي يا صغيري أنا محبوسة الآن ولن أستطيع الهرب في الوقت الحالي وكما أن المختطفين لن يستطيعوا قتلي بسبب حاجتهم لي ولسر المهارة المخفية والتي أظنك بالفعل تعلمتها، أستطيع الشعور بهذا. بني أكمل تدريبك وابذل جهدك وارتق في المراتب ولا تجعل هدفك الانتقام الآن حتى لا تعميك القوة أو تقتل الأبرياء بغير قصد ولا تقطع ابتسامتك يا صغيري لتقابلني بها عندما نلتقي... سوف أكون في انتظارك، لن أخبرك أين أنا الآن ولكنك سوف تعلم عندما تصبح أقوى... أحبك'

المشاعر التي اجتاحته كانت مختلطة، غضب، فرح، طموح، خوف، أمل... الدموع التي انسكبت من خديه، كانت أشبه بقطرات المطر بسبب كثرتها، عض شفتيه ثم جثى على ركبتيه وأخذ يضرب الأرض بكل ما أوتي من قوة، أراد شيء يفرغ غضبه فيه وفي نفس الوقت يعاتب نفسه على ضعفه ثم وضع رأسه على الأرض وتحدث بصوت خافت "أمي... أعدك بأني لن أطيل عليك وسوف أكون أقوى وأقوى حتى أستطيع تحريرك" كان فرح لبقائها على قيد الحياة حتى الآن ويطمح لإنقذها ولكن الخوف من فقدانها لا زال يسيطر عليه وفي النهاية وقف ورفع رأسه وأخذ يحدق في السماء الصافية المزينة بالنجوم. " لن أحزن أكثر...لا زال هنالك أمل"

كان وجهه عكس كلماته بالضبط، فقد اختفى بريق عينيه وارتخى كتفاه وكأن لا قوة فيهما وفي نفس الوقت كانت الطاقة السحرية تخرج من جسده بطريقة فوضوية. أراد حكيم أن يربت على رأسه وأن يشعره بالأمان ولكن تركه هكذا فقط، فهذه محنة بالنسبة له وإن لم يستطع تجاوز مشاعره الآن ربما لن يستطيع فعل شيء في المستقبل.

بقي قاسم على هذه الحالة يوم كامل وحتى خطواته كانت ثقيلة وفي النهاية استطاع تجاوزها بعد سماعه لكلام حكيم

:- يا قاسم، لا أعلم ما قرأته في الرسالة التي كتبتها لك أمك ولكني أستطيع قراءة ملامحك والشعور بالغضب الذي في داخلك ولكن عليك أن تسيطر على كل هذا، ولا تخف إن أمك قوية جدا وعليك أن تثق بكلامها إن قالت بأنها سوف تنتظرك"

:- لن أبقي على أحد منهم"

:- لا تجعل دافعك للقوة هو الانتقام، ولا تنسَ وعدك بأنك ستصنع مجدك الخاص"

:- إذن ماذا أفعل؟ هل أنتظر وآخذ راحتي وأبتسم؟"

:- لم أقصد أن تفعل هذا ولكن اعتبره حافزا لك مع بقية الأشياء السابقة، في ماذا سينفعك الغضب والحزن؟ استمر مثلما كنت"

لم يرد عليه بشيء وبدأ يسرع من وتيرته في المشي وبعدها أخذ يجري أسرع وأسرع، ثم ابتسم والتفت لمعلمه :- لن أخذلكم"

**

بدأت البطولة أخيرا وكان الحضور كبير جدا والمقاعد كلها ممتلئة ولسبب ما تأخرت المديرة قليلاً فقد خرجت لتستقبل قاسم وأعطته رقمه ثم شرحت له القوانين وانصرفت ثم انصرف حكيم أيضا وتوجه قاسم للمكان المخصص وأخذ يبحث عن ميار ويزن ولكنه لم يستطع رؤيتهم بسبب حجم المكان واختار مكان عشوائيا وجلس فيه.

كانت ساحة النزال مقسمة لقسمين، ولكل قسم قتالاته الخاصة وفي النهاية يتقابل المركز الأول في المجموعة الأولى مع المركز الأول في المجموعة الثانية ليتم تحديد الفائز بينهما، ثم يتقاتل صاحب المركز الثاني في المجموعة الأولى مع المركز الثاني في المجموعة الأخرى حتى يتم تحديد من يكون الثالث والرابع وهكذا تختم البطولة بالمراكز الأربعة الأولى.

بدأ النزال الأول ثم الثاني ولم تكن القتالات بينهم بتلك الشدة أو الحدة ولكنها كانت مقبولة وبالنسبة لقاسم فقد كان يراقب حتى يعرف المستوى العام ويتأمل ظهور ميار أو يزن. استمر الوضع هكذا إلى أن تمت مناداة الرقم خمسين ومنافسه صاحب الرقم خمسمائة للقتال في المنصة الأولى حدق قاسم فيهما بحماس شديد حتى أنه صرخ بصوت عال لكي يخبرهما بوجوده.

وسط الحماس وهتافات أغلب الطلاب لهما، تعجب قاسم من ردة الفعل التي شهدها، فقد سمع بلقب ميار، الأميرة وهنا بدأ فضوله يرتفع، ثم قفز للمنصة الثانية فقد تمت مناداة رقمه...

كانت ميار تراقبه وتريد مشاهدة قتاله وكذلك قاسم كان يريد مشاهدة قتالهما ولهذا اعتذر بطلنا الصغير من خصمه قبل بداية النزال :- أعتذر ولكني يجب أن أنتهي بسرعة"

لم يفهم الخصم كلماته ولكنه بدأ بتحضير تعويذة قوية واسعة المجال ما إن أعلن الحكم بداية النزال، رأى نفسه ينظر إلى الأرض ثم أغمي عليه، كان قاسم قد ظهر خلفه وأمسك برأسه من الخلف وضربه على الأرض بقوة كبيرة لدرجة أن تعويذة الحماية التي وضعت عليه قد انكسرت ثم مشي قليلا بعد إعلان النتيجة وكان يحدق فيهما وبعدها قفز للمدرجات ليجلس على كرسيه بعد دخوله الاستعراضي والمبهرج.

هدأ المكان وخيم الصمت والعيون اتجهت لقاسم، فقد كان النزال وكأن ذئب انقض على فريسته في لحظات فقط دون أن يعطيه مجال للتنفس وفي الوقت ذاته، ارتفعت ابتسامة الحماس على وجه ميار ويزن ورددا في نفس الوقت.

:- حان دورنا"

وضعت تعويذة الحماية على الجميع بلا استثناء، كانت تحميهم من الضربات القاتلة ولكنها لا تقلل من قوتها، وهذا يعني إن وجه أحدهم سيفه ليقطع صدر خصمه بقوة، ربما يصاب الخصم بجرح طفيف فقط ولكن قوة الضربة سوف تكون نفسها وفي المقابل سيتحطم الدرع... وفي أي حالة كانت من يتحطم درعه أولا يكون الخاسر، وجود الدرع لا يعني أن تهمل دفاعك، هكذا تقول القاعدة.

2021/06/18 · 93 مشاهدة · 1024 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024