حل الصباح وارتفعت أصوات الجماهير وزاد الصخب في المكان، فقد كان المتبقين هم الأقوى وهذا يعني أن المنافسات سوف تشتد وتكون أفضل وأروع.

بدأت المباراة الأولى وركز قاسم عليها وأخذ يحدق في المتنافسين ثم وجه نظره إلى الشاب الذي كان يرتدي ملابس المنتسبين لمجلس الطلبة، كانت الطاقة التي تخرج منه قوية وتعطي انطباعاً مخيف، أقوى من طاقة ميار...

وخصمه أيضاً لم يكن ضعيف بيد أن الفرق بين المستويات كبير، فقد كان مستواه في الشرنقة البيضاء وخصمه في اليرقة السوداء، الفرق تحول كامل حيث أن الأول اخترق عنق الزجاجة وتوسعت طاقته كثيراً والآخر لا زال يعاني ولم يخترق...

بدأت المبارة بينهما ثم ظهرت موجة من النار أمام مخلد وأطلقها في اتجاه سعد، كان هجومه في نطاق واسع ولكن المفاجأة أن سعد استدعى حاجزا من الأرض وصد النار وتلاشت، وهنا ظهر فرق المستوى بينهما فقد كانت مهارة مخلد أضعف من مهارة سعد بسبب كمية الطاقة التي ضخها فيها...

استمر قتالهما فترة من الوقت ولكنه لم يطل كثيرا ولم يظهر سعد كل أوراقه الرابحة بيد أنه أظهر مهارة مخيفة 'تابوت الأرض'

لم تكن استجابة مخلد سريعة، حيث ظهرت تحت أقدامه حفرة ثم خرجت منها أعمدة أمسكت قدميه وسحبته إلى الأسفال ثم أغلقت عليه تمام ولم يظهر من جسده شيء غير رأسه، لم يفقد وعيه ولكن خارت قواه وأعلن استسلامه مباشرة، وكان قاسم يراقب كل حركة يقوم بها لأنه في نفس الحلبة وقد يكون خصمه لاحقاً...

وفي الجهة الأخرى كان يزن يراقب الساحة الثانية، حيث أظهر عمر مهارات فريدة من ناحية السرعة والاغتيال، تارة يظهر من اليسار ثم يختفي ويظهر من ظل خصمه...

لم يستطع الخصم مجاراته أبداً وبعدما اثخن جسده بالجراح لم يتمكن من المحافظة على تركيزه وخسر... في البداية لم يستطع عمر توجيه ضربة قاضية وذلك بسبب أن خصمه كان متخصص في سحر الحواجز حيث كان يريد الفوز باحتجاز عمر وحبسه ثم الضغط عليه حتى ينكسر الدرع أو يستسلم...

ولكن في كل مرة يتشكل الحاجز، يختفي من أمامه ويظهر في مكان آخر، وفي النهاية لم يستطع فعل شيء غير تغطية نفسه منتظرا فرصة ليهجم فيها، ولكنه لم يحصل عليها وخسر.

يزن أيضاً حاول تحليل حركات عمر ومراقبته بدقة حتى يتفادى الوقوع في خطأ قاتل، بسبب كونهما يعتمدان على السرعة والمراوغة بشكل أساسي، غير أن عمر مغتال ويزن مبارز.

استمرت النزالات حتى تحدثت المديرة وتم تغيير طريقة نهاية البطولة وسيرها، قررت أن يتم دمج الحلبتين لتصبح واحدة بسبب تلقص الأعداد وبقاء ما يقارب المائة وخمسين مقاتل فقط، مما دفع البعض إلى الضحك ومنهم من سخر من نفسه لأنه ركز على خصوم معينين في الحلبة التي هو فيها، وبالطبع لم يهتم الأقوياء والواثقين من قوتهم كثيراً، فكل ما يعرفونه هو أنهم سوف يسحقون من يقابلونه لا أكثر ولا أقل.

كانت تتقلص أعداد المشاركين ولم يتبقى إلا القليل فقط وفي كل مرة تظهر مهارات جديدة لبعض الأشخاص وظهور أقوياء لم يكونوا معروفين.

وفي النهاية بقي أربعة أشخاص فقط، قاسم وعمر ويزن وسعد...

تمت مناداة قاسم وخصمه عمر وما إن اقترب منه وقبل بداية القتال، تحدث بطريقة عفوية

:- الآن عرفتك تشبه من... عزان"

تعجب عمر من طريقة حديث قاسم، على الأقل لم تعكس خشونته وغروره في القتال وفي نفس الوقت استغرب من معرفته بعزان...

:- كيف تعرف أخي؟"

:- قصة طويلة...المهم الآن هو أن تظهر كل ما لديك ثم سوف نتحدث بكل أريحية حول هذا الموضوع"

:- بالطلع، هذا ما كنت سوف أفعله"

ترجع الخصمان ثم بدأ النزال بينهما...

بدأ عمر برمي سكاكين صغيرة، اتجاه قاسم، ولكنه لم يعرها اهتماما كبير وصد كل السكاكين الموجهة إليه بيديه المجردتين، فقد كان يضربها من الجوانب فتغير مسارها والتي لا يستطيع صدها، كان يتجاوزها فقط...

ثم رمى الخصم أوراق بحجم كف اليد في الهواء، وما إن رفع بطلنا رأسه قليلاً إلا وخصمه قد ظهر بجانبه الأيمن ليطعنه...

وصل الخنجر بالقرب من عينه ولكنه لوح بلكمة قوية جداً ولم يصب خصمه ولكم الهواء تراجع الخصم في اللحظة المناسبة، وشعر بعدها قاسم بذبذبات سحرية في بطنه ثم لاحظ الطلسم الذي ألصق فيه وأبعده بسرعة ثم رماه بعيداً وانفجر...

:- كيف انتبهت لهذا الطلسم؟"

تعجب عمر من قراءة قاسم الدقيقة لتقلبات الطاقة في الهواء، ففي العادة لم يكن لينتبه لهذه المهارة إلا ذوي الرتب العالية في السحر ومن لديهم موهبة فذة تفوق أقرانهم بشكل كبير، أو من يراها بعينيه على الأقل.

:- لا شيء كبير، أحسست بها فقط" لم يكن رده إلا ليستفزه ويغضبه قليلاً...

:- حسناً... حسناً" أنهى عمر كلامه ثم انفجرت لفيفة في قدم قاسم، ولم يستطع تجنبها بالكامل... ثم أردف قائلاً :- هل أحسست بهذه أيضاً؟"

:-همممم، لا بأس بك"

حافظ قاسم على غروره في المعركة ولم يتزحزح بالرغم من أنه جثى قليلاً ولكنه وقف بسرعة.

وفي كل مرة يتحدث فيها قاسم تأتيه هجمة من مكان مختلف، وحتى الآن لم يهاجم أبداً وكان ينتظر الهجمات فقط...

انتشرت الظلال المنعكسة من الأوراق الطائرة ثم ألقى عمر مهارته التي جعلت قاسم يقاتل بجدية ويظهر ما لديه... :- الزوبعة"

خرجت سكاكين من كل الظلال المنتشرة ثم هاجمت قاسم على شكل زوبعة وكلما يتجنبها كانت تأتيه سكاكين طائشة أو يهاجمه عمر...

أصيب بجراح كثيرة بسبب إهماله ولكنها ليست بتلك الحدة التي قد تتسبب في استبعاده، بيد أنها تؤلم بالطبع وترهقه.

كان يزن يحدق في قاسم وشعر برجفة في جسده، ثم أخذ يردد في نفسه'مجنون' وهذا لأنه لاحظ حركات قاسم وانتبه له وكأنه كان يمثل فقط لا أكثر وأن كل ما فعله عمر لم يكن بالشيء الكبير بالنسبة له، ثم بدأ يتسائل'كيف تدرب في غيابه'.

أحاطت الزوبعة بقاسم وتحدث عمر بكل فخر :- هل يرضيك هذا الآن"

:- همممم... جميل!"

:- إذن سوف تقاتل بسيف الزينة الذي تحمله على ظهرك، أو تخاف أن ينكسر؟"

لم يعجبه هذا التعليق، فقد تجاوز الحد بوصف إرث والده بالزينة، ثم ردد قاسم اسم مهارته، وهذه كانت أول مرة يردد فيها اسم مهارة من مهاراته، فقد كان يقضي على خصومه باستخدام يديه فقط وباستخدام الدرع الممتزج بالهالة والطاقة السحرية الذي لفه حول جسده، ولكنه في هذه المرة استل سيفه...

:- قطع الهواء" ارتفع الهواء قليلاً تحت قدميه ثم أعاد سيفه لمكانه...

مجرد ثوان فقط حتى تدخل المشرف، والمديرة تدخلت أيضاً، فقد وضعوا حاجزاً حول عمر بأقصى سرع ممكنة...

وضع عمر يديه في أذنيه بسبب الصوت الحاد الذي خرج فجأة ثم نظر إلى الخلف، ثم اتسعتا عينيه واندهش مما حدث خلفه، فقد تم قطع جدران الحلبة بالرغم من الحاجز الذي وضع عليها، ثم ارتجفت يداه ولمس بطنه ليتأكد فقط، ثم تنهد لأن الجرح لم يكن بذلك العمق، وبعدها أعلن استسلامه...

لو لا تدخل المديرة والمشرفين، من يدري ماذا قد يحدث، ولهذا تحدثت المديرة إلى قاسم الذي كانت ملامح عدم المبالاة تعلوا وجهه.

:- بناءً على ردك يا قاسم، سوف أحدد استمرارك في البطولة أو استبعادك منها"

:- أنا منصت"

:- لو لم نتدخل ونضع الحماية عليه، ماذا كنت سوف تفعل؟ فقد كانت هذه المهارة كفيلة أن تقضي عليه حتى بوجود الدرع الذي وضعناه سابقاً"

:- أستطيع التحكم في مهارتي، وتحديد قوة القطع أو حتى إبطالها إن أردت، وبعدما شاهدتكم تضعون الحماية عليه، رفعت قوتها أكثر من ناحيته"

:- أثبت هذا"

ثم أحضرت دمية خشبية ووضعتها أمام قاسم، ولكنه طلب منها أن تضع حواجز أقوى حتى تحمي الجمهور...

أمسك بمقبض السيف، ثم أطلق المهارة ولكنه أضاف شيء آخر قبل إطلاقها "فك القيود... قطع الهواء"

في المرة السابقة قد ارتفع هواء خفيف تحت قدميه ولكن هذه المرة قد زاد ثقله وغاصت قدماه في الأرض قليلاً وانطلقت المهارة...

خيم الصمت وسط ذهول الجمهور، فلم يصدر أي صوت ولم يسمع شيء غير ذلك الصوت الحاد الذي خرج لحظة إطلاق المهارة وما إن توقف، بقي صوت دقات قلوبهم فقط، وخاصة من كانوا قبالة المهارة التي أطلقها، فقد تجاوزت هذه القوة ما يسمى بقوة الطالب الجديد أو المنتسب الذي لم يكمل سنته الأولى...

تحطمت الجدران بالكامل ولم تصب الدمية الخشبية إلا بخدش بسيط، غير أن كل شيء خلفها قد تم قطعه، وكأن المهارة لمستها بلطف ثم مرت من خلالها...

:-هل يكفي هذا؟" لم يكن يريد أن يستمر في غروره ولكنه أراد أن يظهر قوته ليثبت أنه مستعد لمواجهة الأعداء في أي وقت...

:- نعم يكفي... أنت الفائز"

وما إن أعلنت فوزه حتى ضجت الساحة مرة أخرى بهتافات الجماهير، والجميع أصبح يردد اسمه حتى لحظة خروجه من الساحة لينتظر خصمه القادم، إما يزن أو سعد... وبالطبع كان يتمنى أن يكون يزن هو الفائز.

2021/06/18 · 84 مشاهدة · 1297 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024