بعد ذلك النزال أصبح الفضول هو سيد المكان، فأغلب المشاركين كانوا معروفين، إما من عائلات نبيلة أو مشهورة وبعضهم على الأقل لم تكن خلفيتهم مجهولة وهذا بسبب المعارف، وبالنسبة لقاسم فكان شيء مجهول لا يعرفون عنه شيء غير اسمه، وهذا ما دفع بعضهم للبحث والتقصي عن خلفيته وخاصة بعد إظهاره للمهارة الأخيرة وكيف تحكم بها، ومنهم من راودهم الشك في خلفيته، فبالحكم من مهارته فقط فإنها تعود لرجل واحد، ولكنه رحل منذ زمن طويل ولا يذكر أن له ابن أو خليفة.

كانت قطع الهواء مهارة من مهارات والده المحفوظة بداخل السيف السحري، ففي كل مرة يتقدم فيها قاسم في المستوى، تكشف له مهارة جديدة.

خرج يزن وتبعه عمر ثم تم ترميم الحلبة بسرعة بفضل سحر الأرض، وتقدم بعدها سعد ويزن ولكن هذه المرة فقد تم دفعهما بقوة بسبب تصرف قاسم وما فعله.

:- كيف شعورك يا سعد بعد مشاهدة قتال قاسم وعمر؟"

:- ألا تستطيع رؤية الحماس الذي يتغلل بداخلي؟"

:- بالطبع... كنت أريد التأكد فقط"

:- ما أعرفه الآن يا يزن هو أنه عليّ الفوز بأي طريقة"

:- هممم... أتفق معك"

انتهت الدردشة الخفيفة وبدأ النزال بينهما...

كان يزن يراقب تحركات سعد بكل دقة وينتظر الفرصة حتى ينقض عليه، والآخر بقي ينتظر الحركة الأولى من خصمه...

استمر الهدوء قليلاً، وفي النهاية فقد سعد صبره وبدأ بالهجوم وكان معروفاً بهجومه الشرس الذي لا يرحم أبداً وقد سبب الضرر للكثير من المتنافسين...

طريقة هجومه كانت غريبة جداً، فقد توارثها من عائلته، فبالرغم من تحكمه الجيد في سحر الأرض واستخدام طاقته بشكلٍ مثالي، إلا أنه يندفع إن كان خصمه قوي.

انطلق سعد لمهاجمة يزن، وبينما كان يجري في اتجاهه، دنى من الأرض قليلاً ثم لوح بيده اليسار وكأنه يرمي صخرة من الأرض، ولكن المفاجأة أن رمح خرج منها واتجه ليزن...

شاهد يزن هذه الهجمات وتعجب منه، فبالرغم من سرعة حركة سعد التي تعتبر بطيئة بالنسبة له إلا أن الرمح الذي رماه، كان أشبه برصاصة سحرية، ولو أصيب بواحد من هذه الرماح فسوف ينتهي أمره بكل تأكيد...

راوغ الرمح الأول ثم الثاني وبعدها انطلقت في وجهه حجارة صغيرة مدببة وما كان من يزن إلا المراوغة ومحاولة الاقتراب من خصمه، وكلما حاول استخدام مهارته، كان يتلقى هجوماً يمنعه مما يفقده تركيزه ويضطر للتهرب منه...

ثم استخدم أخيراً مهارة تجاوز الزمن ووصل قبالة خصمه، ولكن المصيبة أن الخصم كان بالمرصاد، حيث اندفع يزن موجهاً سيفه لسعد وبعدما وصل، ظهرت أشواك كثيرة من الأرض حيث عرقلت حركته وأبطأت تقدمه...

تراجع سعد خطوة إلى الوراء ثم هاجم بطريقة مختلفة هذه المرة، كان هجومه وكأنه دب بري يهاجم بمخالبه، فكلما رفع يده القريبة من الأرض، تخرج مخالب منه لمهاجمة يزن، ولأن هذه المرة كان المدى قريب، أصيب ببعض الجروح في وجهه وكتفه ولكن هذا لم يوقفه من مهاجمة يزن...

استغل يزن هذه الفرصة واستمر بمهاجمة خصمه ولم يعطيه مجالاً للراحة أو التراجع، فإن سمح له بالتراجع، فسوف يستخدم الهجوم بعيد المدى وهذا لن يكون في صالحه أبداً، ثم اندفع أقوى من قبل حيث أرهِق سعد قليلاً من التصدي لكل هذه الطعنات ولم يستطع مجاراته في قتال قريب وقفز إلى الخلف، وفي تلك اللحظة استخدم يزن مهارة تتبع الهدف ولكنه لم يهاجم بها بل أحاطت به...

كان سعد يشاهده يطلق مهارة تتبع الهدف ولذلك حمى نفسه بسرعة باستخدام حائط من حجارة ولكنه استغرب بعدما شاهد المهارة تحيط بخصمه ولم تهاجمه وما هي إلا ثوان حتى وجد يزن قبالته مرة أخرى...

كانت فرصة ممتازة لتقدم يزن، حيث استغل هذه الثغرة التي تفاجئ فيها خصمه، وهاجمه دون أن يتأخر، وهذه المرة تغيرت طريقة هجومه حيث كان يهاجم بالسيف وفي نفس الوقت يتحكم بالكرات النارية ليضرب بها خصمه، كان التزامن في هجماته عجيب والتحكم الدقيق يظهر كمية التدريب والوجهد الذي بذله لصقل مهاراته، ثم بشكل غريب جثى سعد على الأرض وغطى نفسه بدرع من الحجارة والرمال ثم أطلق مهارته...

ظهرت حفر كثيرة في الأرض وتراجع يزن إلى الوراء مما أوقف تقدمه ثم خرج سعد من قوقعته وتنهد...

:-آآه... أخيراً... أظن بأنني لن أستطيع هزيمتك إلا إن استخدمت كل ما أملك من طاقة"

:- اووه حقاً... هل كنت تبخل عليّ؟"

:- هممم... قليلاً فقط"

:- رائع... كنت تستهين بي"

:- ربما"

رده أثار غضب يزن، فمنذ صغره كان يتم التنمر عليه أحياناً من أفراد عائلته بسبب جسده الضعيف، وحينما كان يقرر ليفعل أمر ما، كانوا يستهينون به ولهذا استشاط غضباً...

أطلق سعد مهارته النهائية "الحصن المسلح" ارتفعت حوله الحجارة وغطته من كل الجهات، وكانت توجد فتحات بسيطة فقط، ثم ظهرت من الأرض قبب صغيرة جداً بها ثقوب...

شاهد يزن ما يحدث أمامه، ثم خمن بالفعل أنه يجب أن يتحرك بسرعة ولهذا استعمل الفن الذي لم يكن، يريد استعماله ولكنه مضطر الآن...

"الجسد الحر"

أصبح جسده خفيف جداً وعندما كان يتقدم لمهاجمة سعد، كانت خطواته خفيفة جداً وكأنه يطفو على الأرض، ثم انقض على خصمه...

كان يهاجمه ليكسر الحجارة التي تغطيه وفي نفس الوقت يراوغ الرماح التي تظهر من الحصن المسلح، كانت مهمة صعبة جداً، فإنه عندما يهاجم كان يجب أن يحسب للدفاع أيضاً، لأنه في أي لحظة يفقد فيها توازنه سوف يخسر، ثم برزت مهاراته التي تجسدت في لقبه وأعلن استحقاقه له، ففي اللحظة التي يهاجم فيها من الأمام، يختفي مباشرة بعدما يضرب ليظهر في جهة أخرى وتبقى صورة السراب التي تركها بسبب سرعته...

بقي سعد يدافع بشكل مستميت فلم يستطع أن يلمس يزن أبداً وكلما حاول كان يضرب الهواء فقط، والآن لم يتبقى إلا القليل حتى يتحطم الحصن المسلح، فقد كانت الهجمات الكثيرة والسريعة قد أحدثت تشققات وفراغات فيه...

وأخيراً بعد طول انتظار ظهرت الفرصة أمام يزن، فتحة أحدثها في وسط الحصن، لمحها ثم وجه سيفه بقوة كبيرة، وغرسه فيها، ولسبب ما لم يشعر يزن بأنه طعن شيء وقبل أن يسحب سيفه، أحس بحفرة بدأت تتوسع تحت قدميه...

كانت مهارة أطلقها سعد بعدما خرج من مكان آخر قد انتقل إليه بعدما استخدم مهارة الحصن المسلح وغطى نفسه جيداً بإحدى القبب التي برزت

"تابوت الأرض"

ظهرت حفرة تحت قدمي يزن وقبل أن تتوسع أكثر وتبتلعه، قفز إلى الخلف ثم شعر أن الموت اقترب منه، نظر إلى البقعة التي قفز فيها، وقبيل أن ينزل، ارتفعت أربعت أعمدة مستطيلة الشكل ومدببة لتطبق عليه...

وقف شعر ظهره من الخوف ولكنه لم يترد أبداً، وهاجم الأعمدة بالكرات النارية التي كانت تدور حوله، ولكن مهارته قد تبددت فلم يتبقى فيها أي قوة حيث أنه استخدمها منذ مدة طويلة، وركز قوته فيه سيفه وضرب العمود الأضعف الذي هاجمه بمهارته سابقاً...

أطبقت عليه الأعمدة ولكنه خرج بطريقة سلسة من العمود الذي كسره قبيل أن يطبق عليه، وما إن لامست قدماه الأرض حتى استخدم مهارة تجاوز الزمن وانقض على سعد وطعنه في كتفه...

انكسر الدرع المحيط بسعد بعدما اخترقه السيف وخسر النزال ولكن المصيبة هي أن مهارة يزن في الطعن قد تجاوزت قوة الدرع بمراحل ولم يتخيل أحد هذا، فقد اخترق كتفه أيضاً ولم تتوقف الطعنة هنا، بل اخترقت الدرع المحيط بالحلبة ولم يلحظ أحد ما حدث إلا القلة فقط ومن ضمنهم قاسم ولهذا ابتسم وقال في نفسه 'هكذا يجب أن تكون يا صديقي'

كانت نزالات اليوم طويلة رغم قلتها ومشوقة جداً وتستحق أن تكون هذه هي المباريات النهائية للبطولة، ثم أعلنت المديرة أن الختام سيكون في الغد، عمر ضد سعد للمركز الثالث والرابع ثم يزن ضد قاسم للمركز الأول والثاني.

عاد الجميع لغرفهم والبعض كان يتلقى العلاج، وبالنسبة لقاسم فقد كان يجلس مع ميار يتبادلان أطراف الحديث ثم وقف فجأة واستأذن منها للمغادرة، هي فهمت أنه لن يستأذن بهذه الطريقة إلا إن ناداه معلمه أو حدث شيء ما.

ذهب قاسم إلى مكتب المديرة هذه المرة، ثم طرق الباب ودخل بعدما سمح له ولكنه استغرب وجود حكيم بجانبها...

:- أهلاً معلمي...هل طلبتني أيتها المديرة؟"

:- لست أنا من طلب منك الحضور، حكيم من فعل"

:- قاسم..." نطق حكيم اسمه بلطف وبنبرة حزن ثم سكت قليلاً وبعدها أكمل كلامه " هل تريد أن نفقدك أنت أيضاً يا قاسم؟ ألا تعلم بأنك الأمل الوحيد حتى نرى السيدة حوراء؟ ألا تريد لقاء أمك؟ ألم أطلب منك ألا تستخدم هذه المهارة في البطولة؟"

أسئلة كثيرة ألقاها في وجه قاسم، وكانت نبرته تحمل الغضب والحزن، أراد أن يعاقبه ولكن إلى متى سوف يعاقبه ثم يعود إلى الخطأ مرة أخرى، ولهذا لامس الوتر الحساس له، ذكر له اسم امه وأنه الأمل الوحيد لتحريرها وعودتها للحياة الطبيعية من جديد...

:- كنت أعمى وأردت إثبات قوتي فقط، أنا أعتذر وسوف أقبل بأي عقاب بعد البطولة" كانت نبرته صارمة وتثبت أنه قد ندم فعلاً، فلم يتوقع أن يرى الحزن في وجه معلمه أو يضره بأي طريقة كانت..

ثم تحدثت المديرة التي لم تفهم شيء وغيرت الجو الذي ساد حينها... :- هل تقصد مهارة القطع والتحكم فيها؟"

:- ليست المهارة ولكن السؤال، كيف تبددت وتجاوزت الدمية الخشبية ثم عادت وقطعت الجدار؟"

ضربت المديرة الطاولة بقوة ثم وقفت في مكانها وتحدثت بتفاجؤ :- لا تخبرني يا حكيم أنه استخدم مهارة إبطال وتفعيل في نفس الوقت... لا أنكر أني لاحظت تقلب الطاقة ووجود شيء غريب ولكن كيف تعلمها أو كيف وجد المهارة، أهي هنا؟ أريد رؤيتها؟"

لاحظ قاسم ذلك الفضول الذي اجتاح المديرة بعدما خمنت المهارة التي استخدمها قاسم في معركته ضد عمر ولكنه لم ينطق بشيء وترك معلمه يتحدث ويجيب...

:- أولاً، نعم هي المهارة التي تقصدينها وثانياً لن أجيب على باق الأسئلة... أي اعتراض؟"

:- لا...أعتذر"

'مهلاً ما هذا الجو الغريب الذي يحدث بينهما، وكيف خضعت المديرة بهذه السرعة وصمتت ولم تعترض ولو قليلاً...من يكون حكيم؟' هذه التساؤلات التي غزت عقل قاسم في تلك اللحظة.

2021/06/18 · 84 مشاهدة · 1474 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024