ترك قاسم كل التساؤلات خلف ظهره ليركز في قتاله ضد يزن، القتال الذي انتظره منذ مدة طويلة، والآن حان وقته أخيراً.

حل الصباح واجتمعت الحشود وارتفعت الهتافات من كل مكان مترقبين ختام البطولة ومتشوقين لرؤية هذا النزال الذي تغير قانون الحماية فيه وسوف يتبارزان بدون تعويذة الحماية التي كانوا يستخدموها فيما مضى وهذا يعني، أنه يجب عليهم تجنب الإصابات القاتلة والخطيرة.

وصلا قبالة بعضهما ولكنهما لم ينطقا بشيء، بقيت الابتسامة المرتسمة عليهما فقط والتي عكست بعض شوقهم، ثم بدأ القتال وتغيرت ملامحهما.

للمرة الأولى منذ بداية البطولة يبدأ قاسم الهجوم باستخدام سيفه، وكأنه يعترف أن خصمه قوي... لوح بسيفه بقوة ولكنه ضرب الهواء ثم استمر في التلويح وفي كل مرة كان يختفي خصمه من أمامه...

كان يزن بالفعل قد استخدم مهارة الجسد الحر فلم يكن يريد المخاطرة ويتلقى هجمة من المتوحش قاسم، ولهذا استطاع المراوغة...

استمر الوضع على هذه الحالة مدة ساعتين تقريباً، فقد كانت هجمات قاسم قد شوهت الحلبة ولكنها لم تصب يزن، ومن ناحية أخرى كان يزن يراوغ الهجوم ثم يطعن بسيفه مباشرة، وبالرغم من أن الطعنات لم تكن غريزة ولكنها أثارت غضب بطلنا كثيراً، كأن بعوضة تلسعة باستمرار.

بالنسبة للجماهير بقيوا يشاهدون هذه المعركة بتوتر منتظرين من يكسر هذا السلسلة من الهجوم والدفاع ويسدد ضربة حرجة، فسوف يكون الفوز من نصيبه تقريباً، فالأول لم يستطع تسديد ضربة والثاني لم يتمكن من توجيه ضربة قوية.

بينما كان قاسم يهاجم بسيفه بشكل شرس، وجد ثغرة ثم استغلها، رأى سيف يزن متوجه له ليطعنه، فضغط على قدمه الأمامية وأعطته اندافعة وضربه بكتفه ورماه بعيداً، ثم حبس أنفاسه، فقد مر السيف بجانب عنقه وخدشه...

:-تبا لك يا يزن، منذ متى وأنت بهذه الرشاقة"

التقط يزن أنفاسه التي انقطعت لبرهة ثم رد عليه

:- تتحدث عن رشاقتي ولا تنظر لهجومك الكاسح الذي بالرغم من مراوغتي له، كان يأثر بي الهواء الناتج من سيفك"

:- أخبرك من الآن، لا تعتمد على سرعتك كثيراً فقد انتهيت من إحماء جسدي وسوف يبدأ الجد الآن"

:-تفكيرنا مشابه"

استخدم يزن مهارة تتبع الهدف ثم ارتفعت إلى الأعلى وأحاطت بهما ولكن من مسافة دون أن تهاجم، ثم انقسمت الكرات النارية لتصبح مثل اليرقات الصغيرة المضيئة وانتشرت في الحلبة دون أن تعترض طريق خصمه.

المنظر البراق لفت انتباه المديرة فقد أصبحت الحلبة الآن مزينة وتعطي شعور رائع بمجرد النظر إليها.

:- تحب القتال في حلبة مزينة؟"

:- من يدري يا صديقي ولكن عليك أن تنتبه أكثر"

:- وفرها لنفسك"

استخدم قاسم مهارة فك القيود وأطلق العنان لقوته، ثم اختفى وظهر بجانب يزن الأيسر وهمس في أذنه

:- من عليه أن ينتبه الآن؟"

في تلك اللحظة شعر يزن أنه سوف يهلك إن لم يتحرك بسرعة ثم استخدم التضحية وانتقل لمكان بعيد منه...

:- هيا يا يزن لماذا ذهبت بعيداً، ألا تريدني أن أنتبه أكثر؟"

كان السؤال الذي في ذهن يزن 'كيف تغيرت شخصية قاسم هكذا فجأة؟' حسناً... كان يشعر بالرهبة أيضاً.

ومن المدرجات بقيت ميار تتسائل في نفسها أيضاً عن سبب تغير شخصيته هكذا.

لم يتوقف قاسم عند هذه النقطة بل واصل الهجوم على خصمه، ولكن الأفضلية كانت ليزن بسبب مهارة التضحية فقد ضغط على نفسه أكثر وأكثر ثم في لحظة سمع صوت قاسم وهو ينطق باسم المهارة

"قطع الهواء"

ولم تكتفي المهارة أن تنطلق في اتجاه واحد، بل قطعت على شكل دائرة وتوسعت لتصل لكل جدران الحلبة، ولحسن الحظ أن يزن استخدم التضحية مرتين...

وبعد انتقاله الثاني شاهد الدماء تنزف من يده اليسرى فقد أصابته المهارة فور انتقاله، لم تكن اصابة قاتلة ولكنها ليست بالخفيفة أيضاً.

وقف بثبات ثم نظر عينيّ قاسم :-اعذرني يا صديقي، سوف أمزق القليل من لحمك ولكن لا عليك سوف تتعافى بعد هذا القتال"

كان تصريحه قوي حقاً، فقد كان يتهرب ويراوغ ولا يهاجم كثيراً ولكنه الآن صرح بأنه سوف يهاجم بشراسة ولن يستطيع قاسم إيقافه.

:- لا تبخل بإظهار كل شيء تملكه يا يزن، فقد بدأت استمتع حقاً"

لم يتحدث أحد ولم ينطقوا بشيء، كانوا يشاهدون بترقب حتى الهتافات توقفت، لحظة صمت لهذين المقاتلين فقط.

:-إن لم أستطع هزيمتك بهذه فسوف أعلن خسارتي يا قاسم" أنهى كلامه ثم رفع سيفه وطعن اصبعه ثم سالت الدماء على السيف... شع سيفه ببريق أحمر ثم تغير شكله، أصبح أكبر وأعرض وذو حواف حادة ويقطع من الجهتين ثم أمسكه بكلتا يديه...

شاهد قاسم ما يحدث وانتظره حتى ينتهي من كل ما يريد، فكل ما كان يشغل باله هو أن يستمتع ويقاتل أكثر ولكنه كان يعلم بأنه عليه أن يكبح نفسه بالطبع وألا يقتله أو يصيبه بشلل دائم...

انتهى يزن واستعمل كل ما يملك لينتصر في هذا القتال، فلم تكن البطولة مهمة ولكن الفوز ضد قاسم هو الأهم...

تقدم بخطوات ثابته وهاجمه قاسم بشراسة، ولكن هذه المرة تغير الوضع تماماً...

كانت تلويحات قاسم قوية ومدهشة غير أن يزن أخذ يقرأ مسار الهجوم ويغير اتجاه السيف بتلويحة خفيفة، مما رفع أعصاب قاسم وجعله يلوح بقوة أكبر، تارة لليمين وتارة للشمال...

ثم رفع قاسم السيف للأعلى وأنزله بقوة ليقطع به، ولكن يزن راوغها، ولم تنتهي الهجمة هنا، بل غير قاسم مسار سيفه بسرعة من الأسفل إلى الأعلى، وهنا كانت المصيبة...

تراجع يزن قليلاً ثم وضع سيفه تحت سيف قاسم وزاد من قوة الهجمة، فارتفع سيفه إلى الأعلى وكذلك يديه..

بقي جسده مكشوف واستغل يزن الفرصة الذهبية لينهي هذا النزال، بينما سيف خصمه يطير في الهواء، ولن يستطيع قاسم الدفاع بيديه أبداً، ثم هاجمه بشراسة وبدأت الإصابات تتفاقم وفي كل مرة كان يرجع قاسم إلى الخلف ويلحقه يزن...

كان المسار الذي يرجع فيه قاسم قد تغير لونه إلى الأحمر...

النتيجة أصبحت واضحة للجميع أن قاسم سوف يخسر لا محالة، وكانت المديرة تستعد لإيقاف النزال وإعلان خسارته...

بينما الجميع فقد ايمانه في قاسم، كانت ميار تحدق بصمت والدموع قد استقرت في مقلتيها، وتنتظر الفرصة التي يقلب فيها النتيجة.

شعر يزن أنه سوف يفوز إن استمر على هذه الوتيرة ثم عاد السيف لطبيعته، لأنه فقد القوة السحرية التي كان يضخها فيه، ثم تقدم إلى الأمام بلا مبالاة ليضع سيفه في عنق قاسم، وما إن وصل قبالته صدم عندما رأى ابتسامته ولكنه استمر بتوجيه سيفه لعنق صديقه...

وعندما رأى قاسم أن سيف يزن يتجه لعنقه، مد يده ثم حركها باتجاه السيف ليصده، وبالطبع أكمل خصمه الهجوم ولكنه توقف بعدما طار سيفه...

ابتسم قاسم لأنه خمن هجوم يزن ثم استخدم مهارة سيفه وسحبه في اتجاهه، لم يشاهد أحد هذه المهارة وكانت جديدة بالنسبة لهم ولذلك لم يتوقعها يزن، وما إن وصل السيف في يد قاسم التي كانت بالفعل قريبة جداً لتصد سيف الخصم، وصل سيفه وضرب سلاح يزن وجعله يحلق في الهواء بسبب قوة الضربة...

بقي جسد يزن بلا حول ولا قوة، ثم استسلم بعدما اقترب سيف قاسم من عنقه...

:- تبا لك يا صاحب الشعر الكثيف، كيف استدعيت سيفك الذي رميته بعيداً"

:-هذه مهارتي تعلمتها منذ مدة، هل كنت تتوقع أن أخبرك كل ما أملك، هل أنت غبي؟"

:- اصمت... لا تفرح لأنك انتصرت اليوم وسوف أردها لك في المستقبل"

:-نعم نعم... الآن أريد أن أعالج نفسي، ولا أملك طاقة للحديث"

ثم ضحكا بطريقة هيستيرية جداً...

بالنسبة للجماهير فهم لم يستوعبوا ما يحدث أمامهم بسبب الدهشة وروعة القتال الذي حدث أمامهم، كانوا يشاهدون شيء لم يتوقعوه منهم، ولكن بعد مشاهدتهم لتلك الحركات والمناورات وسرعة الحركة وردة الفعل وطريقة قتالهم، لم تكن تخص من هم في أعمارهم، بل يستحقوا أن يكونوا من النخبة، وبعدما ارتفع صوت ضحكات يزن وقاسم من الحلبة وصافحوا بعضهم البعض، عاد وعي الجماهير ثم وقفوا وصفقوا بحرارة لهم.

انتهى القتال أخيراً، ونفذ يزن وعده لقاسم بأنه سوف ينتظره، ثم سقط مغشياً عليه وحمله صديقه.

لم يتوقف هتاف الجماهير إلا بعد مدة من مغادرتهما ساحة القتال.

2021/06/18 · 84 مشاهدة · 1183 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024