أعدوا عدتهم ثم غادروا المدرسة متجهين لغابة الموت ولم يركبوا عربة أو حصان، بل كانوا يمشون على أقدماهم وبالطبع لم تكن سرعتهم بطيئة بل كانت تعتبر ممتازة جداً وأيضاً ساعدتهم ميار وجلعت من أجسادهم أخف وأسرع بفضل سحر الرياح...

وبينما هم في الطريق توقف قاسم وتخلف عمر عن المجموعة قليلاً ثم سقطت جثة من أعلى الشجرة فقد كان ينتظر اللحظة الحاسمة لينقض عليهم...

اقترب قاسم من الرجل الذي أسقطه عمر، فقد كانت الملابس التي تغطيه تذكره بالقتلة الذين هاجموه سابقاً ثم مزق جزء من ملابسه ليتأكد من وجود وشم تلك المنظمة على كتفه، وكان تخمينه صحيح ولهذا قرروا استجوابه ولكنه ما إن فتح عينيه حتى خرجت منها الدماء ثم فارق الحياة، فقد انتحر حتى لا يتم استجوابه، ثم حرقوا الجثة دون أن يرمش جفنهم فقد اتبعوا قرار قاسم ووثقوا به...

مشي بطلنا بضع خطوات ثم توقف مرة أخرى..

:- يا رفاق دعوني أخبركم بسر فأنا لا أريد تعريض حياتكم لأي خطر"

:- أهو بشأن القاتل يا قاسم؟"

:- نعم يا يزن"

:- كلنا آذان صاغية"

:- حسنا... أنا أعرف عائلاتكم ولكنكم لا تعرفون شيء عني... ولا أظن أن إخفاء الامر يهم الآن، فقد بدأ الأعداء بالشك"

اقترب عمر من قاسم ووقف بجانبه :- لا عليك يا قسام سوف نبقى معاً وندعمك حتى النهاية"

ثم تقدم يزن أيضاً :- مشكلتك تخصني يا صديقي، منذ اللحظة التي قررنا أن نكون أصدقاء فيها، لذلك لا تقلق سوف أبقى بجانبك"

:- لن تقول شيء يا قاسم" كانت ميار التي تحدثت بعدما قرصت أنفه..

:- أتمنى ألا تندموا يا رفاق" قالها بنبرة حماس، فلم يذق طعم الصحبة من قبل ثم أكمل كلامه... :- قبل كل شيء... يكون والدي هو نفسه النصل الأسود..."

قاطعه يزن والصدمة تعلو وجهه :- ماذا... السياف الأسطوري الذي يحلم الجميع أن يكون مثله، يكون والدك؟ ولكن أين هو الآن هل يمكننا مقابلته؟"

ثم تبعه عمر الذي لم تكن صدمته أقل من صاحبه :- يالها من صدفة مخيفة!.. فقد كنت أتمنى مقابلته والعمل لصالحه ولكنك أنت هنا اليوم وأصبحنا أصدقاء"

:- دعوني أكمل لكم... بعد ولادتي بفترة بسيطة تم تسميم والدي وخطف أمي ثم بعدها بعدة سنوات... هاجم مجموعة من المغتالين وكان عددهم يفوق المائة رجل وكنت أظنهم قطاع طرق دخلوا قريتنا عن طريق الخطأ ولكني اكتشفت بعدها أنهم مجموعة من القتلة وأرادو اغتيال والدي حتى لا يستعيد قوته ويدمرهم وفي نفس الوقت كانوا يبحثون عني من باب الاحتياط ولم يكونوا متأكدين أن لديه ابن... وفي النهاية أصيب أبي بجروح قاتلة ثم قفز من منحدر الوداع الذي بجانب الكوخ ولم أستطع رؤيته بعدها وانقضت السنوات على هذه الحال، حتى علمت أن أمي على قيد الحياة وأظن أن بعض القتلة قد خمنوا أو عرفوا عني وأني ابنها ولهذا سوف نقابلهم كثيراً"

" سوف نبقى بجانبك مهما اشتدت الصعاب ولكن لماذا اختطفوها؟"

:- سوف تعرفون السبب بالضبط ولكن ليس الآن"

:- أثق بك يا قاسم، سوف نبقى بجانبك مهما اشتدت الصعاب"

بقي الصمت سيد الموقف والدموع التي خرجت منهم لم تكن بالغزيرة ولكنها عكست مقدار الغضب والحزن والأسى لكل ما حدث.

ولأن عمر لم يكن يحب الجو الحزين أبداً، بادر بالحديث :- هل سوف نقيم العزاء الآن؟ هيا لنتحرك وننهي مهمتنا"

"حسناً حسناً"

أكملوا طريقهم ولكن بطريقة مختلفة هذه المرة فقد تخلف عنهم عمر بمسافة حيث يحمي ظهرهم ويتأكد من عدم وجود ملاحقين، وكانت حركته سلسة جداً فقد كان يستعمل كل الظلال الموجودة في الأرض ليتنقل بينها.

**

في الجانب الآخر كانت المديرة تتحدث إلى رجل يرتدي قلنسوة وقد أخفى وجهه :- سيدي هل سوف تعود الآن؟"

:- نعم"

:- بالنسبة للفتى هل ستقابله حقاً؟"

:- نعم فمصيرنا قد ارتبط منذ زمن بعيد"

:- ألا تخاف أن ينقلب ضدك؟"

:- لا أهتم"

ثم غادر ذو القلنسوة وترك المديرة في حيرتها دون أن يوضح لها شيء.

**

وصل قاسم ورفاقه إلى الغابة التي تدرب فيها ليقابل الدب وصغيره ثم يذهب ويكمل مهمته ولكنه شعر بخطر بسبب ارتفاع الطاقة السحرية بالقرب من الكهف حيث كان ينوي الذهاب.

:-لنسرع يا رفاق ولكن لا تهاجموا الدب وصغيره أبداً"

عرفت ميار ما قصده قاسم فقد أخبرها بكل شيء بيد أن عمر ويزن وقعا في حيرة من أمرهما، ولكنهما اتبعا قراره وأكملا طريقهما.

رأى قاسم فور وصوله مجموعة من أربعة أشخاص ليسوا أكبر منه في العمر وخمن أنهم من مدرسة أخرى أتو إلى هذه القرية ليكملوا المهمة، فلم يكن من الطبيعي أن يكون أمان القرية في يد قاسم ورفاقه فقط.

:- توقفوا عن مهاجمته"

رد عليه قائد المجموعة بشراسة :- ألا ترى هذه الوحش وهو يهاجمنا، هل أنت ضد البشر أم ماذا؟"

:- هل هاجمكم الوحش أولاً؟"

:-لا"

:- إذن لماذا هاجمتموه؟"

:- لأنه وحش!"

:- هل تظنون بأنكم تستطيعون مقاتلته وأنه لا يتساهل معكم الآن؟"

ثم تحدثت فتاة من الفريق الذي هاجم الدب :- لم نصب بجروح خطيرة ولكنه أرهقنا وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها"

:- وهذا يعني أنه لم يكن يريد قتلكم وفي المقام الأول أنتم من اعتدى عليه"

:- لا تتحدث أكثر من اللازم... هل تريد أن تنضم معه؟"

:- أوووه... حقاً؟" رد عليه قاسم بسخرية كثيرة ثم تقدم ومشى في اتجاه الدب ولم يعطهم اهتمام أكثر وما إن اقترب منه حتى انقض عليه الدب.

:- غبي، هل كنت تظن أنه سوف يرحب بك لطيبة قلبك؟"

ثم استل يزن سيفه وأمسك عمر خناجره ولكن ميار أوقفتهم مباشرة ثم سمعوا صوت يخرج من داخل الدب وكان صوت قاسم الذي غاص في فرائه.

:-أنا وهذا الدب وابنه أصدقاء ولا أسمح لكم بمهاجمة أصدقائي... أي اعتراض؟"

:- بحكم أنه لم يتضرر أحد منا ولم يهاجمنا بكل قوته... سوف نرحل بهدوء ونكمل مهمتنا، لسنا هنا لمهاجمة البشر أو الوحوش المروضة"

ظنوا أن قاسم قد روض هذا الدب وهو لم يوضح لهم شيء وتركهم يرحلون هكذا.

صدم أصدقائه بالمنظر الذي أمامهم، فقد كانت قوة الدب كبيرة ومن الواضح أنها أقوى منه ولكنهم تعجبوا كيف أصبحت علاقتهم هكذا، ولم تكن الصدمة الأكبر هنا بل عندما خرج صغير الدب وركض باتجاه قاسم، فمنذ ولادته كان يلعب معه ولهذا اشتاق له...

:- يا رفاق راودتني فكرة مجنونة"

:- ما خطبك يا عمر؟"

:-أتعلم يا يزن ربما هذا طفل قاسم"

أنهى كلامه ثم رفعته ميار في الهواء وبعدها أسقطته على ظهره

:- ما هذه الفكر ة الغبية... سوف اخبركم ولكن الآن سوف أشارك قاسم، فصغير ادب يبدوا لطيف"

اقتربت من الدب الصغير ولكنه تراجع وابتعد عنها...

:- حتى الحيوانات تخاف منك يا ميار"

:- تبا لك يا عمر"

:-هو لم يعتد على وجود انسان غيري" انهى قاسم كلامه ثم ربت على ظهر صغير الدب وقاده لميار، وما إن لمسته قليلاً حتى رمت نفسها في حضنه...

أحس الدب الصغير أنه في أمان ولذلك لم يقاومها وأخذ يدور حولها ويلعب معها وكذلك ميار استمتعت باللعب معه دون أن تهتم للمحيطين بها.

ثم قرروا الدخول لداخل الكهف والبقاء فيه حتى تشرق الشمس مرة أخرى ثم يكملوا مهمتهم ولم يستعجلوا الذهاب فقد وصلوا قبل الموعد المحدد بعدة أيام.

2021/06/18 · 89 مشاهدة · 1078 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024