-
-
-
-


وهكذا انطلقا للكوخ، للمفاجأة العظيمة التي كانت تنتظر قاسم، للحقائق الكثيرة التي ستنكشف له بعد وصولهم، فقد كان سعيد يرفض التحدث والإجابة عن الإسئلة، كان يملك جواباً واحد
:- سوف أتأكد بعدما نصل لمنزلك، ثم سأقرر ما أخبرك به"


وهذا ما زاد فضول قاسم، لدرجة أنه تارة يمشي بسرعة ثم يتوقف قليلاً ليفكر في السبب الذي دفع سعيد لقول هذا، وهل يوجد سر في ذلك الكوخ الصغير الرث الذي تركه له والده، أسألة كثيرة اجتاحته حينها، ثم ابتسم بحماس وأكمل طريقه باتجاه كوخه.


وفي تلك الأثناء كانت ميار قد أنهت تدريبها الشاق مع أمها وأصبحت بارعة في استخدام سحر الرياح وكذلك الشفاء، ومن هنا هي قد ضمنت مكاناً لها في المدرسة السحرية رقم واحد في القارة كلها ولكنها كانت متشائمة قليلاً؛ لأن قاسم قد لا يكون في نفس صفها وذلك بسبب أنه سيختار أن يكون فارس سحرياً معتمداً على قدراته البدنية وبعض المهارات السحرية.
عادت ميار أخيراً إلى القرية وكانت متشوقة لرؤية قاسم صديق طفولتها، ربما ليس الوحيد ولكنه الأفضل من بين الجميع.


وصلا قاسم وسعيد للكوخ الرث، ثم وقف سعيد على عتبة الباب واستنشق الهواء وقد أغمض عينيه ثم ابتسم ودخل.
في الحقيقة لم يكن شيء في المنزل غير الماء يمكن تقديمه لضيف جاء فجأة، وبينما يشرب السيد سعيد نظر لقاسم ثم سأله بطريقة مستفزة قليلاً
:- أهذا كل ما تملك؟"


شعر الفتى بالإحراج قليلاً:- نعم، ولقد أخبرتك بهذا من قبل!"


:-لا زلت جاهل يا فتى.. على كل حال أخبرني، هل أنت مستعد للمفاجأة؟"


:-بالطبع مستعد لها وإلا ما صحبتك معي"


استوعب قاسم بأنه لم يصحب سعيد معه إلا من باب الفضول فقط وليس الاحترام، بعدها أوضح قصده بسرعة لكي لا يسبب الإحراج لنفسه :-أقصد بأن حضورك وحده مفاجأة لي، فأنت صديق والدي بعد كل شيء!"


لم يقل سعد شيء غير أنه ضحك على قاسم:-لا عليك أيها الصغير والآن سأخبر بعض الأشياء التي أعرفها عن والدك.. آه أرى بأنك اقتربت مني كثيراً وعينيك قد اشتعلتا بالحماس وعلى ذكرهما، أظن بأني قابلت أمك أو مرتين على الأقل"


:-ماذا؟ حقاً؟ وماذا تعرف عن أمي؟ أخبرني بسرعة"


:- لا تنفعل كثيراً ودعني أسترجع بعض الأجزاء من ذاكرتي حتى أخبرك دفعة واحدة"


وبينما كان يقول هذا الكلام، أخذ يحدق في المخطوطات الكثيرة التي وضعت على تلك الأرفف الخشبية البالية ثم نظر لفراش قاسم القديم الذي اتخذه سريراً له، وفي الحقيقة كانت حالة الكوخ مزرية جداً تدل على عدم اهتمامه به أبداً وذلك بسبب أنه كان مدمن للتدريبات الجسدية كل يوم، ثم نظر لعينيّ قاسم وابتسم
:-تذكرني بصديقة والدك، كان اسمها حوراء"


قفز قاسم من مكانه:-يا إلهي اسمها مثل اسم أمي، أيعقل أنها هي نفسها؟! آه لقد تذكرت هنلك رسالة لم أستطع قراءتها ولكن بوضوح كتب أعلاها حوراء"


ثم أخذ يبحث عن تلك الرسالة من بين تلك الأوراق حتى وجدها أخير
:-أنظر أيها العم سعيد، هذه هي الرسالة، ولكن مهلاً يبدوا بأني أستطيع فهم المكتوب فيها، كيف حدث هذا وأنا طوال تلك السنوات كنت أحاول جاهداً ولم أستطع قراءة شيء أبداً"


كانت علامة الدهشة قد ارتسمت على وجهه وبدا مرتبكاً أيضاً، لا يدري أيبكي أم يفرح، اختلطت مشاعره ثم أخذت الدموع مجراها


:-أقسم أيها العم بأني لم أستطع فهم شيء فيما مضى ولكن انظر إنها تخاطب والدي وتطمأن عليّ في نفس اللحظة تسأله عني وتخبره بألا يرد بشيء أبداً حتى لا تُكشف، مهلاً أهي حية؟! وكيف تسأل أبي عني وعمر الرسالة ما يقارب السبع سنوات تقريباً ما يعني بأنه قبل وفاة والدي!، ولكن كيف وقد قالها بنفسها
(اعتبرها ماتت منذ ولادتك يا صغيري)
مهلاً، قال اعتبرها ولم يقل ماتت، وأنا طوال تلك المدة ظننتها توفيت أثناء ولادتي! ولكن لماذا قال والدي هذا الكلام، وما خطب هذه الرسالة بقية كلامها مشفر ولم استطع سوا قراءة السطور الأولى؟؟!"


قاسم لم يستطع ترتيب أفكاره فقد عرف اسم أمه وفي السابق لم يفكر أبداً بسؤال والده لكي لا يشعره بأنه مقصراً في حقه، والآن وجد خيطاً ربما يدل على أنها حية ترزق بيد أن هنلك سبباً يمنعها من إظهار نفسها وإلا ما منعت والده من الرد.


أفكار كثيرة غزته وحاول ترتيبها ثم وقف سعيد وربت على رأس قاسم:-اهدأ يا فتى ودعني أرى الرسالة، وبعدها سأخبرك كل شيء أعرفه عن والديك"


بدأ سعيد يتفحص الورقة وأخذ يقلبها وعلامات الحيرة والدهشة لم تفارق وجهه ثم أغمض عينيه
:-اسمعني يا قاسم، في هذه الرسالة سحر خاص ولن يستطيع أحد قرائتها سواكما أنت ووالدك الراحل، وهذا يؤكد بأن حوراء التي أعرفها هي أمك يا قاسم.. أرى بأن الحماس تغلب عليك، سأخبرك بكل ما أعرفه فانصت لي جيداً"
بعدها اتكئ وبدأ بسرد القصة منذ اللقاء الأول بينهم قبل ستة عشر سنة تقريباً...
-
-
-
-
-
-
-


2021/01/14 · 167 مشاهدة · 730 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024