-" أنا أحبك شارلوت..وأشعر أحياناً أنكِ أمي..وأريدك حقاً أن تتزوجي أبي، فلطالما رأيته يتكلم معكِ بحرية وطريقة طيبة عكس كل من تزوجهن بعد أمي وطلقهن..هن لم يحتملن مزاجه وشربه المستمر للكحول، لكن أنتِ..لطالما سمع كل كلمة قلتِها له كالإقلاع عن التدخين وكل شيء آخر.."

تنفست شارلوت الصعداء وعلمت أنها وقعت في ورطة من الصعب الخروج منها..فهي حقاً لاتستطيع إحباط ذلك الطفل بأي طريقة كانت...

***

قالت شارلوت بهدوء محاولة التكلم بطبيعية" إسمعني عزيزي..لتوي بلغت من العمر 26..ووالدك في مايقارب الـ36 أو لا أدري أياً كان عمره"

-" إنه في الـ37"

رفعت شارلوت حاجبيها وأردفت" هاااه هل رأيت؟ فارق العمر بيننا كبير ولن نتفق في الأفكار بسببه.."

علت وجه موزيس علامات خيبة الأمل، أخفض رأسه بحزن وهزه إيجاباً موشكاً على البكاء..لتحتضنه شارلوت بحنو وتردف بينما تربت على شعره" غير ذلك..أنا هنا معك في كل وقت، حتى وإن لم أكن متزوجة من والدك"

أبعدته عنها ممسكة بكتفيه..وبنظرة ساحرة منها أردفت بمرح" إتفقنا؟"

هز رأسه إيجاباً لتسحب هي هاتفها وتقول" هل رأيت هذا التطبيق الجديد؟ أنظر يمكنك منـ-

قاطعها صوت هاتف كارل وهو يرن، لتصرخ من بعيد" كارل~ هاتفك يرن فالتجب!"

لم يرد عليها..فتذكرت أنه يستحم، سلّمت موزيس هاتفها وقد شغله ذلك عن الموضوع تماماً، غمس رأسه في الهاتف يلعب بإستمتاع...

وقفت تمشي بخمول نحو الصالون، أمسكت هاتفه تقرأ إسم المتصل وكان' الشقراء الفاتنة' تنفست الصعداء وأجابت على الهاتف:

-" مرحباً"

-" عذراَ من تكونين! أليس هذا هاتف كارل؟"

رفعت شارلوت حاجبيها بتململ وأتبعت" آها~ ذلك صحيح"

-" من تكونين؟؟"

-" أمممم صديقته؟"

-" أين هو؟"

-" يستحم"

-" يستحم!؟ أخبريه أن الموعد ملغى!"

إنفعلت المرأة في الهاتف وأغلقت الخط بعصبية، لتبعد شارلوت الهاتف من أذنها تنظر إليه بعينين متسعتين..متعجبة من سبب تصرف المرأة بتلك الطريقة الغريبة...

قبل أن تضع الهاتف على الطاولة أمسك كارل يدها وأخذه منها برفق..لتدير هي رأسها تنظر إليه قائلة" ماهذا؟ تضع منشفة كـ التي يضعها طرزان على خاصرته إرتدي شيئاً!"

قهقه وسألها" من المتصل؟"

وضعت يدها على خاصرتها وأجابت بسخرية معوجة فمها" الشقراء الفاتنة"

إتسعت عيناه وقال" ياللهول تأخرت عليها!"

-" قالت أن الموعد ملغى.."

-" ماذا!؟"

هزت شارلوت كتفيها مشيرة للنفي وقالت بصدق" أقسم أنني لم أقل لها شيئاً..فصلت الخط بعد أن أخبرتها أنك مشغول بالإستحمام"

أدار رأسه بالإتجاه الآخر مغطياً عينيه بكف يده، وقال" آه~ ياشارلوت آه~..لو تعلمين كم عانيت لأحصل عليها"

نظرت إليه بإشمئزاز وقالت" مقرف..من تكون هي على أية حال؟"

رفع حاجبيه ينظر إليها وأجاب" زوجة مديري.."

هزت رأسها بعدم مبالاة..وقد خرج موزيس في تلك اللحظة ليُري شارلوت التطبيق على الهاتف..وقد سمع الحديث الذي دار بينهما، تنفس الصعداء بضجر ودخل الغرفة من جديد وصفع الباب خلفه...

إستدار كل منهما بإتجاه الصوت، فقالت شارلوت بقلق" يا إلهي..لقد سمعنا"

زفر كارل وقال" دعيه..لقد إعتاد الأمر.."

نظرت إليه بعتاب وأردفت بعصبية" كلا لم يعتد! فالتستقر على إمرأة واحدة ودعه يرتاح الا تشفق على المسكين!؟"

نظرت إليه من فوق لتحت وتذكرت محادثتها مع موزيس قبل قليل..بلعت ريقها وقالت بتوتر" أاا.اا فـ..فقط إنسى الأمر إفعل ماشئت.."

إستدارت تمشي نحو المطبخ فلحقها كارل يقول بصوت خافت مترجياً إياها" لاتخبري أحداً عن الشقراء رجاءً وإلا سيفصلني المدير من العمل..وسينهي على حياتي حرفياً!"

قلبت عينيها بضجر وقالت بعدم مبالاة" آه لن أخبر أحداً..هلا قدمت لي خدمة كارل وتوقفت عن المجيء إلى هنا كلما رغبت بذلك؟"

نظر إليها بتعجب وأردف بعد أن شعر بوخزة وكأنها تطرده" بالطبع..كما تشائين"

إستدارت تنظر إليه وقد شعرت بأنه تضايق من كلامها..فأتبعت كلامها" لاتفهمني بشكل خاطئ كارل أنا فقط سئمت من كلام الناس..وكذلك أردت وضع بعض الحدود.."

هز رأسه متفهماً وخرج برضى..غير ثيابه وغادر من الشقة ليحظى بموعده الغرامي ذو العدد الذي لن يحضيه أحد حتى هو...

***

-قسم الشرطة-

جلس ذلك الرجل البدين على كرسي المكتب وأردف بحدة" تفاصيل القضية"

أسرع الملازم آدم بمناولته أوراق وملفات القضية بينما يقول" مقتل وزير الدفاع أنطوني إيدن عبر أداة حادة..وقد ترك المجرم نفس الأحرف التي تركها في جرائمه السابقة..

(FCAG

)

، لابصمات في مسرح الجريمة..ولا السلاح الذي أستخدم.."

-" هممم..إذاً في البداية ويليام غرينفيل وزير الثقافة، وبعدها فريدريك روبنسون وزير الداخلية.."

هز آدم رأسه بثقة وأٍتبع" بالظبط، مانعرفه هو أن القاتل يستهدف السياسيين وحسب..كما أنه يقوم برمي قنابل منومة كي تخلص من الحراس بسهولة ويصل لهدفه، كما أنه يحصل على معلومات بطريقة غامضة..حيث أنه يعلم عناوين ضحاياه وينفذ خططاً جهنمية لإتمام جريمته دون أي أخطاء أو ثغرات"

مسح رئيس المفوضين على شاربه الكبير وأردف" هممم..إذاً لايمكننا التنبؤ بمن سيكون التالي"

-" أنا أعمل على ذلك سيدي..أحاول فك شيفرة تلك الحروف، لكنني أريد أن أجمع رجالي الآن..أعتقد أنني قد أمسكت طرف خيط للإيقاع بهذا السفاح المريض"

هز الرائد سبنسر رأسه إيجاباً وأشار له بالإنصراف، ليومئ آدم رأسه بإحترام ويخرج من المكتب...

***

في مكان آخر،خرج موزيس بعد والده بمدة ليست طويلة متجهاً نحو المدرسة..وفجأة تذكر أنه أراد إخبار والده كم يود لو تقدم لخطبة شارلوت...

فكر في أن يتجاهل موضوع المدرسة اليوم ويفاجئ والده في الشركة، ركب الحافلة ومشى لمسافة معتقداً أنه قد أصبح رجلاً بالغاً بالرغم من أنه لم يتجاوز الحادي عشر من عمره!

دخل الشركة بخطى عريضة واثقة، ثم وقف أمام إحدى الموظفين قائلاً" مرحباً..هل كارل هنا؟"

قهقه الرجل بسعادة ممزوجة بالغضب وجلس القرفصاء يكلمه مصطكاً على أسنانه" أنت موزيس صحيح~؟ للأسف والدك اللعيـ..كارل ليس هنا"

تنفس موزيس الصعداء وقال" نسيت أن لديه موعد.. مع الشقراء الفاتنة!" شدد على كلمته الأخيرة بغيظ، ليرفع الرجل حاجبيه وإتسعت إبتسامته الخبيثة...

-" هل يواعدها والدك؟"

أومئ موزيس رأسه إيجاباً وغادر بحزن تاركاً الرجل خلفه في قمة السعادة..فقد سلمه معلومة كفيلة بتدمير حياة عدوه اللدود كارل...

***

في تلك الأثناء وفي مكان آخر سمعت شارلوت طرقاً على الباب، أسرعت إليه لتفاجئ برفيقتها وحبيبة قلبها جيسيكا حاملة علبة كعك كبيرة وعلى وجهها إبتسامة...

-" جيسي~" أردفت شارلوت معانقة إياها بقوة، لتصرخ جيسيكا بمرح" على رسلك ستسقطين الكعكة!"

ضحكت شارلوت وحملتها عنها قائلة" ولما كل هذا العناء!"

-" الن أدخل؟" قالت جيسيكا رافعة حاجبيها..لتمد شارلوت يدها مشيرة إليها بالدخول بطريقة مسرحية...

وبينما تمشي جيسيكا في الممر لمحت منديلاً قماشياً جميلاً عليه تطريز بالحرف الأول من إسم شارلوت، إبتسمت وقالت بإعجاب" منديل جميل~ من أين لكِ به؟"

أدارت شارلوت رأسها وقالت وكأنها تتذكر" لست متأكدة لكنه هدية من أحد مرضاي بالمشفى..أمتلكه منذ زمن، هل أعجبكِ؟"

أجابت جيسيكا" بالتأكيد تطريزه رائع ولونه مميز.."

إبتسمت شارلوت وقالت بعفوية" إذاً خذيه..إنه لكِ عزيزتي"

-" كلاااا لم أقل عنه جميل كي آخذه"

-" أعلم أعلم لكنني أريدك أن تأخذيه..إعتبريه تذكاراً صغيراً مني"

هزت جيسيكا رأسها بإيجاب وحملته قائلة" إذاً سآخذه"

تابعتا السير وجلستا في الصالة، فسألت جيسيكا" إذاً..كيف تقضين أيام عملكِ في المشفى؟"

-" جيدة..أشعر براحة كبيرة كلما ساعدت في العناية بمريض جديد..أحس بأنني أنقذت عائلته من العذاب الذي كانوا سيلاقونه إن فارق المريض الحياة..أرى السعادة في عيونهم، حقاً شرف عظيم لي أن أحظى بهكذا مهنة"

كانت جيسيكا تعمل في منطقة بعيدة بعض الشيء عن شارلوت، تعمل كموظفة إستقبال في إحدى الفنادق..لكن صداقتهم التي دامت منذ الطفولة تفوقت على بعد المسافة بينهما وإختلاف الوظائف...

رفعت جيسيكا رأسها لتلمح المنشفة مرمية فوق الطاولة وبجانبها ساعة يد رجالية...

ضيقت عينيها وقالت بشك ممزوج بالمكر" أيتها الأفعى، تواعدين أحدهم دون علمي.."

ضيقت شارلوت عينيها ونظرت إلى المنشفة، لتتغير تعبيرات وجهها من الإستغراب إلى الإنزعاج وتجيب" آه..تلك ساعة كارل، كان هنا قبل قليل مع موزيس..أخذ حماماً وهرب مسرعاً في موعد"

إتسعت عينا جيسيكا وصمتت..وكأنها سرحت في عالم آخر ودخلت في شرود...

-" مرحباً..مع من أتكلم؟" قالت شارلوت بينما تهز يدها أمام وجه صديقتها، نظرت إليها جيسيكا مستوعبة الموقف، لتضحك بمرح وتردف" بالتأكيد..إنهم الرجال!"

عانقت شارلوت الوسادة مضيقة عينيها بضجر، لتسألها جيسيكا عما يشغل بالها، وماكان منها إلا أن أخبرتها عن الذي قاله موزيس لها عن زواجها بكارل...

-" ماذا!!" قالت جيسيكا بصوت عالٍ وبطريقة غير متوقعة مما أدى لشعور شارلوت بالإستغراب...

-" أجل هذا ماحدث"

أخذت جيسيكا نفساً عميقاً وسألت" وأنتِ..ما الذي ستفعلينه؟ تعلمين أنه زير نساء وكبير في السن، أعني..أنتِ تستحقين أفضل منه بكثير"

هزت شارلوت رأسها إيجاباً وأجابت" طردته من المنزل بطريقة مهذبة وأخبرته أن لايأتي من الآن فصاعداً كما يشاء..أي أنني وضعت بعض المسافة بيننا"

تكلمت بكل ثقة، فخورة بما فعلته..فتنفست جيسيكا بإرتياح وقالت" خير مافعلتي..إذاً؟ ألن تضيفيني أو ماشابه؟"

حركت شارلوت حاجبيها نفياً وأجابت" إنها كعكتي جيسي لاتحلمي بها.."

ضحكت كلتاهما وعادا يتجاذبان أطراف الحديث بمرح...

ليقاطعهما صوت رنين هاتف جيسيكا، سحبت الهاتف وقالت" إنه أخي.."

أومئت شارلوت بإيجاب وأشارت لها بأن تسرع وتجيب، فرفعت هي السماعة وأخذت تتكلم..لتشهق دون وعي منها" ماذا! اأ..أين هو؟؟"

عقدت شارلوت حاجبيها تنظر إليها بقلق، أغلقت جيسيكا الخط ويداها ترتجفان، حملت حقيبتها وركضت نحو الباب لتصرخ شارلوت من خلفها" ما الذي حدث يافتاة!؟"

-" أخي..أخي أصيب بعيار ناري!"

إتسعت عينا شارلوت وأسرعت بإلتقاط معطفها قائلة" سآتي معك!"

ركضت جيسيكا إلى الخارج تاركة شارلوت خلفها تغلق الباب بعجل..إستقلتا سيارة أجرة وإنطلقا نحو المشفى...

***

وفي مكانٍ آخر، جلس كارل على كرسي مقابل تلك الطاولة اللامعة يحتسي شراباً وبجانبه العديد من الناس، بعد أن تناول صفعة حارة من قبل تلك الفاتنة مثل كل مرة..آل به الأمر بالمجيء للحانة التي يعرج إليها يومياً...

أخذ يشرب ويشرب حتى الثمالة..يشرب محاولاً نسيان زوجته الراحلة وألم إشتياقه لها، وهمه القاتل لكون موزيس يتيم دون أم...

يأسى على حال إبنه..كيف يحاول أن يكون رجلاً يساند أبيه..مخفياً إشتياقه لأمه كي لايحبط والده، ويأنبه ضميره بما فعله بصديقه الوحيد مايسون بالرغم من أنه لم يمتلك خياراً آخر...

-" هل أنت بخير؟" سألت ساقية الحانة موجهة كلامها لكارل الجالس أمامها، فلم يجب...

إتكئت على الحافة وتنفست الصعداء بينما تقول" إرحم نفسك قليلاً..فما حدث ليس ذنبك بعد كل شيء"

نظر إليها بعينين مرتخيتين، ثم حمل زجاجة وخرج من الحانة يترنح..متجهاً نحو المكان الوحيد الذي خطر على باله في حالته تلك...

***

وفي تلك الأثناء، هرولت جيسيكا في أروقة المشفى تبحث عن الغرفة المطلوبة وشارلوت تركض خلفها..إلى أن وجدتها...

دخلت جيسيكا ورمت نفسها في أحضان أخيها تعانقه وتبكي..ليبتسم هو ويردف بحنو" أنا بخير ليس هناك داعٍ لكل هذا القلق..فالرصاصة أصابت كتفي ليس إلا.."

رفعت رأسها تنظر إليه بعينان تبرقان أثر الدموع التي تفيض منهما كنهرٍ جارٍ...

-" أخبرتك! فالتستقل من هذ العمل رجاءً تخيل لو إتصل علي أحدهم المرة القادمة وقال أنك قد متِ!؟ أقسم أنني سأجن بدونك آدم.." أردفت جيسيكا وسط شهقاتها كطفلة متذمرة...

قهقه هو وأردف" يالكِ من طفلة بكّاءة.."

نظر إلى شارلوت الواقفة تبتسم وقال" تركتي صديقتكِ واقفة.."

مسحت جيسيكا دموعها ووقفت بإعتدال قائلة" شارلوت..هذا أخي آدم، يعمل محقق في قسم الشرطة..آدم..هذه صديقتي شارلوت، تعمل في مشفى حكومي.."

أومئ رأسه إيجاباً وقال" أجل أتذكرها.."

إندهشت شارلوت من قوله بأنه يتذكرها، وقد إنزعجت من كونها تتعامل مع شخص يعمل في الحكومة..لكنها إكتفت بالإبتسام قائلة" أتمنى لك الشفاء العاجل.."

-" شكراً.."

نظرت جيسيكا لأخيها بشك مضيقة عينيها، ليهز هو كتفيه يسألها مابها بالإشارات فقط..فأشاحت بنظرها عنه في إنزعاج دون أن تتيح له فرصة فهم الشيء الذي أزعجها...

***

عادت شارلوت من المشفى وهاهي تفتح باب شقتها بكسل في صمت..ولايضيء المكان سوى ضوء القمر المكتمل متسللا من الخارج عبر نافذة الدرج، وفجأة سمعت صوتاً خلفها...

إستدارت بسرعة وخوف..فإذا بها تجده كارل يجلس على درج الصعود ولم تلحظه بسبب الإضاءة المنخفضة...

-" كارل! ما الذي تفعله هنا وفي مثل هذا الوقت؟؟"

فتح عينيه ببطئ، ثم قهقه وبدأ يسعل..أسرعت إليه ترى مابه..لتشُمّ تلك الرائحة الكريهة تفوح منه، رائحة الكحول...

هزت يدها أمام وجهها وتكمشت ملامحها بينما تتذمر" آخ شربت مجدداً..وبالطبع ثملت!"

نظر إليها نظرة لم تفهمها، حاجبيها وقالت" ماذا..لما تنظر إلي هكذا؟ لاتتوقع مني إيصالك للمنزل أليس كذلك؟"

مد ذراعه نحوها وأمسك يدها..قربها نحوه وهمس" شارلوت..هل تقبلين الزواج بي؟"

وهنا بدأ الدم يضخ في جسمها كآلة رياضة تتحرك بسرعة البرق..وسرعان ما بدأ قلبها يدق حتى شعرت أن حرارتها إرتفعت...

-" ما هذ الذي تقوله...فجأة.."

-" أنا جاد" قال بينما ينظر إليها بعينين مرتخيتين..لتأخذ هي نفساً عميقاً وتقول" إسمعني كارل..علاقتنا لايمكن أن تحصل أبداً..إن كان بشأن موزيس فسأعتني به خير عناية..لكن غير ذلك أنا لا-

سحبها نحوه لتقع في حضنه برمشة عين..عانقها بقوة وتمتم" إشتقت إليك ليلي.."

شعرت شارلوت بالعرق ينزل على خدها..وسرعان ما دفعته بقوة وتقف مبتعدة عنه...

-" ماخطبك!"

نظر إليها مضيقاً عينيه، ثم مسح على وجهه بعنف وقال بكلمات مبعثرة وكأنه مشوش" أ..أعتذر، كان ذلك عن غير قصد.."

هزت شارلوت رأسها عدة مرات وقالت بعجل" عليك العودة لمنزلك كارل!"

وقف بخمول حاملاً تلك الزجاجة..ثم مشى ناحيتها ووقف أمامها..بينما هي تبعد جسدها حتى إلتصق بباب شقتها...

-"أتعلمين..كان مايسون محقاً حين قال لي أن الرجل يمكن أن يحب إمرأة واحدة..بالفعل أنا أحببت إمرأة واحدة وكانت تلك ليلي.." قرب وجهه من وجهها حتى لفحت أنفاسه الحارة وجهها، وأضاف قائلاً" لكنك أصبحتِ تشغلين كل تفكيري مؤخراً..لا أقصد بطريقة سيئة، لكنني فقط.."

مسح وجهه بعنف وهو يتنفس الصعداء، ثم أتبع بينما ينظر لعينيها مباشرة" أنا حقاً أود الزواج بك..ما هو ردك؟"

أخذت شارلوت نفساً عميقاً وأجابته بنبرة حادة" لايمكنني الزواج من زوج أختي السابق..ذلك أمر غير منظقي بالنسبة لي"

ضيق عينيه وأتبع" هل هو بسبب رجل آخر؟"

هزت رأسها بالنفي وأجابت بنوع من التوتر" كلا..ليست لي علاقة مع أحد.."

هز رأسه إيجاباً وشرب آخر شفة في الزجاجة بعنف مغطياً حزنه..ثم غادر بخطوات مترنحة...

صرخت بصوت مرتجف" لاتأتي لشقتي مجدداً كما يحلو لك كااارل..إتفقنا؟"

قالت متصنعة الصلابة..ثم أسرعت بفتح شقتها بإستعجال فور مغادرته، دخلت وأغلقت الباب بإحكام متكئة بظهرها عليه...

صدرها يعلو ويهبط من التوتر، أخذت نفساً عميقاً وتمتمت" هل سيكون بخير حقاً..إن عاد لوحده وهو ثمل؟"

هزت رأسها نفياً قاذفة لتلك الأفكار من رأسها وقالت بإنزعاج" وما شأني أنا؟ لقد إعتاد أن يأخذ سريري كلما ثمل، فاليتدبر أمره!!"

دخلت غرفتها وصفعت الباب خلفها بعنف...

***

-غداً صباحاً-

فتح كارل عينيه بخمول..ثم جلس ببطئ ممسكاً رأسه بيديه...

-" صداع قاتل.." تمتم بينما يبعد الغطاء من قدميه ويقف متجهاً نحو الحمام، أخذ حماماً سريعاً..غير ثيابه..ثم وقف أمام المرآة يرتب شعره البني الأشقر بيديه...

غمز في المرآة معجباً بنفسه..ثم فتح الباب ليخرج، لكن تذكره لبضعة أشياء أوقفته مكانه...

-" آه~ ما الذي فعلته ليلة البارحة!" همس معاتباً لنفسه وقد تذكر ماجرى بينه وبين شارلوت...

تنفس الصعداء بعد تذكره بأن زوجة المدير -الشقراء الفاتنة- قد رفضت مواعدته كذلك..فلمن تزين هكذا إذاً؟

قلب عينيه وأغلق الباب..جلس من جديد ممسكاً رأسه بيديه يفكر ويفكر..ضائع في لامكان، ثم إتسعت عيناه وتذكر موزيس...

(لما لم يعد إلى الآن؟)

ثم هز رأسه نفياً وفكر لربما قد عاد للمنزل وغادر مبكراً بينما هو لايزال نائماً كالعادة...

وقف وسحب زجاجة خمر من الثلاجة وعاد يجلس من جديد..يشرب ويشاهد التلفاز دون متعة..يضيع الوقت فقط...

ثم شاهد مقطعاً من إحدى الأفلام الكوميدية..عن صديقين يقومان بالمقالب لمديرهم...

إبتسم لاشعورياً..متذكراً كيف كانت صداقته مع مايسون قبل سبع سنوات..قبل أن تحصل الفاجعة...

إحمرت عيناه فور تذكره لزوجته..وترقرقت الدموع فيهما، أسرع بمسح وجهه بعنف وكلم نفسه:

-" أعتقد أنني قد شربت كثيراً..اللعنة سأثمل مجدداً"

أغلق الزجاجة ووضعها على المنضدة ثم مشى نحو الباب، خرج متجهاً نحو منزل صديقه مايسون والذي لايعلم حتى كيف سيقابله...

***

بعد أن تجاوز مسافة الطريق بسيارة أجرة وصل أخيراً، رفع يده ليطرق الباب وبعد تردد طويل طرقه...في حين فتح مايسون بوجه الشاحب، ينظر إليه بعيون ذابلة كئيبة..وبضع من خصلات شعره تغطي عينيه...

-" هـ..هاي..مايسون.." قال كارل بصوت متقطع متوتر، وقد إكتفى مايسون بالصمت محدقاً في عينيه بحدة...

-" أردت التكلم معك بخصوص..." أغمض عينيه وأتبع بأسى" فقط أردت رؤيتك يارجل..أنا ضائع.."

بعد لحظات من الصمت، فتح مايسون الباب ومشى للداخل متجاهلاً إياه..ليدخل كارل بهدوء محدقاً في ذلك المنزل المظلم الممتلئ بالغبار...

جلس في غرفة الضيوف رفقة مايسون الذي ظل ينظر إليه نظرة متواصلة وكأنه يلومه من الداخل على مافعل...

-" أعتذر..عن كل مافعلته" قال كارل بندم ينظر لرفيقه تارة ويوجه بصره نحو الأرض تارة أخرى وكأنه غير قادر على النظر في عينيه مباشرة، فتكلم مايسون أخيراً ببحة صوت" ألست متأخراً بعض الشيء؟"

أخذ كارل نفساً وأتبع" لم أجد القدرة على القدوم والتكلم معك.."

ضيق مايسون عينيه وأضاف" لربما سامحتك إن كنت أتيت أبكر من هذا.."

مسح كارل وجهه بيديه قائلاً" أرجوك سامحني مايسون..أنا حقاً نادم، لو كان هناك وجود للعودة لكنت عدت وأصلحت خطئي..أقسم أنه لم يكن لدي خيار آخر"

أخذ مايسون يحرك قدميه بعصبية لكنه لم يجبه...

-" أرجوك قل شيئاً ياصاح!"

-" ما الذي عنيته بأنه لم يكن لديك خيار؟"

أخذ كارل نفساً عميقاً، ثم بدأ يقص عليه ماحدث...

***

-فلاش باك-قبل 7 سنوات-

بعد أن عادت شارلوت لشقتها رفقة كارل..نامت نوماً عميقاً بجانب موزيس الذي إشتاق لأمه فجأة وكأنه أحس بما حل بها...

أما كارل..فقد ألقى بجسده على الأريكة ولم يرف له جفن..يفكر ويفكر ويفكر..غير مستوعب لما حدث...

إلى أن سمع طرقاً على الباب أفاقه من شروده، وقف بهدوء وفتح الباب..فإذا به مايسون يقف بوجه خالٍ من التعبير...

-" ما الأمر.." سأل كارل بصوت خافت مبحوح، ليجيبه بحدة" سأشتكي..سأرفع قضية على المشفى!"

تنفس كارل الصعداء مغمضاً عينيه، ثم قال" أخبرتك..من الواضح أن صاحب المشفى يمتلك نفـ-

قاطعه مايسون" هل ستأتي أم لا!؟"

عم الصمت للحظات، ليسرع كارل إلى الداخل، حمل معطفه وهاتفه ثم خرج مسرعاً رفقة صديقه...

أول مكان قصداه كان مركز الشرطة..إستمعا لقصتيهما وأرادت الشرطة دليلاً..كان كارل كافياً ليشهد مع مايسون، لكنهما قررا أن يجلبا شارلوت لتشهد على ذلك هي أيضاً..ولتستلم حقها ممن تركوا والدتها وأختها للموت...

مرت ساعات والشرطة تأخذ إفادتهما، وفور إنتهائهما قرر كارل الذهاب وجلب شارلوت إلى المركز، لكن وقبل أن يخرج إستلم رسالة نصية، فتحها بخمول لتتسع عيناه بعدها بهول...

بعث له أحدهم صورة إبنه موزيس..نائم كالملاك في حضن شارلوت، وبجانبه يقف رجل ملثم يحمل سكيناً بجانب عنقه...

ثم إستلم إتصالاً هاتفياً من نفس الرقم، رفع الخط بسرعة وصرخ بإنفعال" إن لمستم منهم شعرة!"

-" ماذا ستفعل هاه؟" أجاب الرجل من الجانب الآخر ببرود يتبعه نبرة إستفزاز، فأتبع كارل حديثه بعد أن إستجمع نفسه" ماذا تريدون؟"

-" ببساطة..لاتشهد مع رفيقك، فأنت لم تر شيئاً صحيح؟"

صمت كارل لدقيقة، فأضاف الرجل بتلاعب" هل رأيت شيئاً؟ فأنا أظن أن موزيس لم ير.."

-" لم..أر شيئاً.."

-" جيييد فتى مطيع~، لاللشرطة..إتفقنا؟"

قال وأغلق الخط دون أن يترك مجال له ليسأل عن إبنه...

مسح وجهه بعنف..وبقلة حيلة عاد إلى مايسون قائلاً أن شارلوت مشغولة ولن تتمكن من المجيء لتشهد بأي شيء ضد المشفى...

لكن رئيس مركزالشرطة سألهم مجدداً..عن الذي حصل بالتحديد، أسرع مايسون بسرد التفاصيل..ليصدمه كارل بقوله" كاذب"

إتسعت عينا مايسون ينظر إليه بتعجب، أتبع كارل ببرود قائلاً" إختلق كل تلك القصة من رأسه..صدقني سيدي، هو يفعل ذلك ليجذب الإنتباه ليس إلا"

وقف مايسون بعنف ليسقط الكرسي أرضاً، وقد إحمر وجهه وإعتراه غضب لم يشعر به قط في حياته..فلطالما كان ذلك الشخص الهادئ المسالم الذي لاينفعل لأكبر سبب أياً كان...

-" ما الذي تقوله يارجل!!" صرخ في وجهه معقداً حاجبيه، ليتبع كارل بنفس البرودة" أليس عليك التوقف عن هذه التمثيلية مايسون..على الأقل إحترم وفاة زوجتك وطفلك"

قال تلك الكلمات لينقض عليه مايسون يلكمه ويلكمه حتى تعفن وجهه، أسرع رجال الشرطة برميه في الحجز المؤقت بينما قص كارل على الشرطي كذبة لفقها قائلاً أن مايسون يعاني مرضاً ما، إستمع المفوض للقصة إلى الأخير ثم أمره بالإنصراف..وقبل أن يخرج كارل أردف المفوض خلفه بإبتسامة" عمل جيد..فالتعد لمنزلك ولإبنك الحبيب، أحسنت بإتخاذ القرار"

إتسعت عينا كارل بصدمة..لم يعلم أن الشرطة بل رئيسها كان مورطاً بالأمر كذلك ولم يتوقع ذلك أبداً، ثم فكر..لو كنت تجاهلت أوامرهم وأبلغت الشرطة، لإستعدت إبني بعد أن أصبح كتلة لحم!

أمسك رأسه بيديه وقد شعر بصداع لايطاق..فور أن خرج إنهار بالبكاء، يبكي على رفيق طفولته الذي خانه وأفسد سمعته، ويبكي على زوجته التي ماتت ولم يتمكن حتى من إسترجاع حقها...

عاش كارل بقية السنين مهموماً، محاولاً نسيان آلامه عبر الشرب دوماً..يهرب من واقعه المرير، لم يتمكن من المضي قدماً والبحث قتلوا زوجته ليزج بهم خلف القضبان بسبب ولده موزيس، أي خطوة يخطوها سيهددونه به...

منذ ذلك اليوم، لم يجد كارل العزيمة لمواجهة مايسون والتكلم معه..لم يستطع حتى أن يفسر له الأمر، تحمل أمر كتمان ذلك السر لوحده طيلة سنين...

يتبع...

رأيكم؟؟ تفاعلووووا!! 🤩😆

شكراً على القراءة..أنرتم 💖 ✥ بقلم إيمان إيدا

2020/03/05 · 371 مشاهدة · 3085 كلمة
47ImaneEdda
نادي الروايات - 2025