عاش كارل بقية السنين مهموماً، محاولاً نسيان آلامه عبر الشرب دوماً..يهرب من واقعه المرير، لم يتمكن من المضي قدماً والبحث قتلوا زوجته ليزج بهم خلف القضبان بسبب ولده موزيس، أي خطوة يخطوها سيهددونه به...
منذ ذلك اليوم، لم يجد كارل العزيمة لمواجهة مايسون والتكلم معه..لم يستطع حتى أن يفسر له الأمر، تحمل أمر كتمان ذلك السر لوحده طيلة سنين...
***
-باك-الوقت الحاضر-
نظر مايسون لرفيقه نظرة شفقة..يأسى على حاله وعلى مامر به، يشعر بأنه قد ظلمه لظنه به ظن سوء...
-" ليتك أتيت قبل أيام.." تمتم مايسون بينما يخدش جلد الأريكة بأظافره، فرفع كارل رأسه بتعجب وقال" ماذا؟"
تنفس مايسون الصعداء وأردف بإنزعاج" أسامحك.."
إتسعت عينا كارل وكذلك إبتسامته" إفتقدتك يارجل!"
إبتسم مايسون إبتسامة جانبية ولم يرد، ليتبع كارل بينما ينظر إلى رف الكتب" هل مازلت مع روايتك؟"
هز مايسون رأسه إيجاباً وأجاب بصوت هادئ" أنهيتها.."
صفق كارل قائلاً" مدهش تقدم ملحوظ، أعطنيها أريد قراءتها"
حك مايسون شعره وأردف" ليست بذلك الروعة..لا أظن أنها ستعجبك.."
-" أعطنيها يارجل لاتكن بخيلاً!"
-" أحقاً..ستقرأها؟"
-" وبعناية أيضاً!" شدد كارل على كلمته الأخيرة بكل حماس، ليقف مايسون بخجل لم يبده منذ زمن..فتح الدرج وسلمه الرواية...
-" هل لي أن آخذها معي؟"
-" بالطبع.."
وضعها على الطاولة وسأله" ما الذي تفعله في أيامك إذاً؟ هل حصلت على عمل؟"
هز مايسون يده مشيراً للنفي وأردف" أكتب الروايات فقط..كهواية"
-" ماذا عن النقود؟"
-" أتدبر أموري.."
-" فهمت.."
نظر مايسون لزميله بشك، ثم سأل ولأول مرة" ما الذي يضايقك إذاً؟"
تنفس كارل الصعداء وأجابه" الكثير من الأشياء..حياتي..عملي، إبني، وشارلوت.."
رفع مايسون حاجبيه وسأل" شارلوت؟"
أومئ كارل رأسه إيجاباً بقلة حيلة..ثم بدأ يقص عليه كل ماحدث...
***
في تلك الأثناء، دخل الملازم آدم لمكتب رئيسه مضمداً ذراعه، وباشر فوراً بالحديث عن القضية وعن المعلومات التي تمكن من جمعها في وقت قياسي بفضل ذكائه وإستنتاجاته...
-" المشكلة هي كيفية إمساكه!" قال رئيسه الرائد سبنسر قاضباً حاجبيه يفكر، ليجيب آدم بثقة" أملك خطة للإيقاع به.."
وضع الملفات وبدأ يشرح الخطة له..وككل مرة نالت الخطة إعجاب رئيسه ووافق عليها بشدة، تمكن آدم من إستنتاج الضحية التي ستغتال تالياً..لكنه لايزال مجرد إستنتاج، وبالرغم من كونه كذلك يتوجب عليهم أن يقوموا بخطوة بدل أن يجلسا منتظرين من الصحافة أن تنال مرادها، كالكتابة عن عجزهم في إمساك شخص واحد فقط...
إستندت الخطة على إمساك القاتل فور دخوله نطاق منزل الضحية التالية...
لكن مالم يتوقعوه..هي الإحتياطات والتحضيرات التي كان القاتل متجهزاً لها في حالات الطوارئ والفخاخ أمثال هذه الخطة...
-" أحسنت أيها الملازم.."
-" شكراً أيها سيدي الرائد"
-" متى ستنفذ الخطة؟"
إبتسم آدم بثقة وأجاب" هذه الليلة"
***
في تلك الأثناء وفي مكانٍ آخر، كان مايسون يستمع لقصة كارل..ولم يهتم أبداً بقصته مع شارلوت..أخذ يحاول التخفيف عنه وأخبره أنه يتوجب عليه الإعتذار منها بطريقة لائقة...
ليسمع كِلاهما صوتاً من الخزانة في الغرفة المجاورة، قضب كارل حاجبيه بإستغراب عكس مايسون الذي تغير لون وجهه فور سماعه لذلك الصوت...
نظر إليه كارل بتساؤل وأردف بمرح" هل تخبئ إمرأة هنا أو ماشابه؟"
أشار مايسون بالنفي وأجاب" أعتقد أنهم الجيران.."
هز كارل رأسه إيجاباً وأتبع حديثه بعدم إهتمام..حتى عاد ذلك الصوت من جديد...
وقف كارل ينظر حول الغرفة بإستغراب مضيقاً عينيه..وهاهو دخل غرفة النوم وبدأ يقترب من الخزانة شيئاً فشيئاً...
حتى قال مايسون فجأة" هل لك أن تغادر كارل؟"
إبتسم كارل بمرح وظن أنه يمازحه" ماذا أحقاً تخبئ إمرأة دون علمي!؟ أيها الثعلب!" قال بينما يضع يده فوق كتف صديقه، لكنه إبتعد فور رؤيته لتعابير مايسون القلقة والمنزعجة..وعلم أنه كان جادً حين أخبره أن يغادر...
كان كارل من النوع المتفهم دوماً..والذي لايحب التدخل في شؤون غيره، لذا أومئ بإيجاب وخرج من المنزل بإبتسامة وكأن شيئاً لم يحدث...
***
-التاسعة مساءً-
نزلت شارلوت من سيارة الأجرة..صعدت الدرج بتراخي إلى شقتها، وهاهي ذي تسحب المفتاح بإرهاق بينما تتمتم" ياله من يوم شاق"
دفعت الباب بهدوء ودخلت، رمت معطفها على الطاولة..بينما تسلل ضوء القمر إلى الغرفة عبر النافذة...
مشت بخمول إلى المطبخ..فتحت الثلاجة وسحبت قنينة ماء وهاهي تشربها، أغلقت الثلاجة بهدوء بينما تشرب لتلحظ شيئاً خلف بابها...
علق الماء بحلقها من صدمة ما رأت وبدأت تسعل مغلقة فمها بيدها، أسرعت بتشغيل الأنوار لتجد ذلك الرجل ملقياً على الأرض يسبح في دمائه...
وجهه شاحب، ممتلئ بالعرق..مشت شارلوت نحوه بهدوء تتمعن فيه والعديد من الأسئلة تدور في رأسها، ناهيك عن الخوف الذي شعرت به آنذاك..لكن إنقلب ذلك الخوف توتراً بعد عن تذكرت شيئاً...
(أليس هذا صديق كارل!؟)
تذكرت وجهه منذ أن إلتقيا أول مرة في المشفى..ولسوء الحظ لم تكن تلك آخر مرة...
أسرعت نحوه تنظر إلى ثقب الرصاصة الذي إخترق جنبه، فتنفست بإرتياح وكلمت نفسها" ليست إصابة خطيرة..جيد لن أضطر لأخذه إلى المشفى فأنا حقاً متعبة.."
حملت هاتفها وهلمت للإتصال بكارل..وبينما الهاتف يرن وقفت تنظر إليه تفكر...
(لما إقتحم منزلي بالتحديد؟ هل كانت صدفة..أم ظن أن كارل يعيش هنا؟ وماهي سبب تلك الرصاصة..هل يعقل..)
لم يجب عليها كارل لتضع الهاتف وتركض نحو النافذة تراقب خلف الستائر...
كانت سيارات الشرطة تحوم حول المكان بعضهم يحقق مع الناس والبعض الآخر يبحث...
عقدت حاجبيها تفكر وتفكر..إلى أن سمعته يأن في المطبخ، هرعت إليه وأخذت تكلمه لكن ودون جدوى، سحبته ببطئ وثقل إلى غرفة والدتها، وضعته على السرير ومزقت بعضاً من قميصه وباشرت بمحاولتها لإستخراج الرصاصة من جنبه...
كان ذلك أسوء وقت يحدث فيه شيء كهذا..أتت من المشفى لترتاح فإذا بها تجد مريضاً في منزلها..لكن الأسئلة برأسها جعلتها تنسى تعبها لوقت لاحق...
بعد أن إنتهت أخذت نفساً عميقاً ووضعت فوقه الغطاء بهدوء ثم خرجت تترنح نحو غرفتها، رمت جسدها على السرير وأخذت تلعب بالهاتف وسط الظلمة محاولة إبعاد ذلك النعاس عنها..فهي لاتود أن يستيقظ حين تكون نائمةً وغير موجودة...
حاولت الإتصال بكارل مجدداً لكن لاحياة لمن تنادي، شتمته في قلبها وهي متأكدة بأنه يقضي وقته مع إمرأة كالعادة...
ثم وقع الهاتف من يدها ببطئ وقد غلبها النعاس..وماكان منها إلا أن تستسلم وتغمض جفنيها ببطئ وإسترخاء لتنام نوماً عميقاً...
***
فتحت عيناها بخمول..ثم جلست على سريرها ببطئ وشعرها البني منسدل على كتفيها، حكت عينيها تنظر لساعتها وتمتمت"الرابعة صباحاً..لايزال الوقتمبكراً"
رمشت بعينها لوهلة، لتلمح شيئاً أسود يقترب منها بسرعة وسط الظلام...
شهقت بفزع وعادت للوراء بسرعة تضم ركبتيها لصدرها متجمدة في مكانها، ليقف ذلك الرجل كالظل أمامها..وعيناه السوداء القاتمة تطلق هالة مرعبة وسط ذلك الظلام الدامس...
فتحت فمها مستعدة للصراخ بكل ما أوتيت من قوة..ليسرع هو بإغلاق فمها بكف يده وهاهي ذي تتحرك كسمكة تم صيدها وسحبها خارج البحر محاولة إبعاده عنها...
إمتلئت وجنتيها بدموعها محاولة إلتقاط أنفاسها المتسارعة..صدرها يعلو ويهبط بهستيرية وتأن محاولة إخراج صوتها...
لتلمحه يحمل شيئاً حاداً..يبرق وسط الظلام، كان ذلك سكيناً...
(لاداعِ لكل هذا الخوف..سأنهي الأمر بسرعة..)
ذلك ماتخيلته شارلوت يقول فور رؤيتها للنظرة على عينيه..والتي كانت كفيلة بجعلها يغمى عليها، زادت شهقاتها وقد إلتمس الخوف كل إنش من جسدها، قبل أن توجه له ركلة قوية في مكان جرحه...
إصطك على أسنانه من الألم وإبتعد قليلاً، لتسرع هي بضربه بالمصباح على رأسه عدة مرات..وكانت تلك كالخدوش بالنسبة له..لكنها كانت كفيلة بإخلال توازنه وجعله يسقط...
أسرعت بحمل عصا ووجهتها نحوه بتهديد" إن تحركت إنشاً فسأفرمك!" صرخت محاولة تجميع شتات نفسها وإيقاف دموعها التي سرت كجريان النهر على وجنتيها...
ضيق عينيه ينظر إليها..وكأنه يدقق في ملامحها يحاول التذكر، لتتبع هي" هـ-هل أنت صديق كارل!؟"
إتسعت عيناه وقد علم فوراً أنها شارلوت..أخذ يشتم ويلعن داخله عن الحظ الذي أوقعه عندها...
لم يحرك ساكناً..بقي بنفس وضعيته يحدق فيها مرخياً عينيه يفكر..لتصرخ هي" أجبني!!"
لم يرد عليها، لكنه إبتسم إبتسامة جانبية بعد أن تذكر شيء سيقلب الأمور في صالحه" إكتفيت..سأتصل بالشرطة!" صرخت بنفاذ صبر متجهة نحو هاتفها، ليردف هو بصوته الهادئ" إتصلي ولن يعود موزيس إلى والده حياً"
تجمدت مكانها..وإرتخت أناملها حتى أوقعت الهاتف على السرير، إستدارت تنظر إليه معقدة حاجبيها..ثم ضيقت عينيها وأردفت بحقد" يالك من حقير وضيع..ظننته صديقك!"
إقتربت منه حاملة لتلك العصا، ليردف هو بنفس بروده" فور توقف قلبي سيعلم رفيقي بذلك ويقوم بإنهاء حياته.."
حدق فيها بنظرة مرعبة وأتبع" هل تظنينني قصدت هذا المنزل بالصدفة؟"
بدأت شارلوت ترتعش..ماهذا الموقف الذي وقعت فيه بحق!؟
أشار بعينيه أن تضع العصا وقد فعلت، نظرت إليه بترجي وقالت" لقد أنقذت حياتك..فلم تفعل هذا بي؟"
فتح أزرار قميصه فوق وقال" يبدو أنكِ نسيتِ شيئاً مهماً.."
نظرت شارلوت إلى جرحه العميق ذاك وتسائلت في نفسها...
(كيف لم ألحظ مثل ذلك الجرح!؟)
وكانت الإجابة الوحيدة هي تعبها..ذلك التعب لم يفتح لها مجال لتركز على وجود جرح آخر والذي بدى أخطر من سابقه...
نظرت إليه بعيون مترجية وسألت بغصة" هل ستدعني أذهب في حال سبيلي..إن عقمت الجرح؟"
هز رأسه وأجاب ببرود" سنرى.."
كانت تلك الكلمة كافية بالنسبة لشارلوت..فهي قد تمسكت بخيط أمل، ولم تنسح لها الفرصة لتفكر أو تركز..فهي قد رأت وجهه فبالتالي من المستحيل أن يدعها تذهب بتلك السهولة...
أسرعت بإحضار علبة الصيدلية خاصتها وطلبت منه الإستلقاء على السرير، بينما لم يبعد عيناه إنشاً عنها..ينظر في ملامحها ويقرأ كل ماتفكر به...
بعد صمت طويل أخرج صوته من جديد بنفس تلك النبرة الباردة الهادئة" لاتفكري بذلك حتى.."
بلعت ريقها وقد شعرت بأن قلبها قد توقف، خططت لجعله يغمى أو حتى قتله..ليتبع" أكملي ماتفعلينه..ولاتقومي بفعل طائش، فأي دقة مرتجلة من قلبي ستجعل رفيقي على الجانب الآخر ينهي حياته.."
ترقرقت الدموع في عينيها حتى شوشت عنها الرؤية..تتذكر وجه موزيس وما الذي يمكن أن يصيبه إن لم تفعل مايقول...
وصلت لنقطة صعبة في جرحه..نقطة تحتاج لتخدير وعملية صغيرة...
رفعت عينيها ببطئ تنظر إليه..لتردف بصوت متقطع" انـ-إنني أحتاج إلى أدوات..إغلاق الجرح تماماً يحتاج عملية صغيرة..كما أنني أحتاج..إ-إلى إستخدام المخدر"
نظر إليها بعدم مبالاة وأخذ يفكر..ثم أردف بعد صمت طويل" ليست مشكلتي..إذهبي إلى المشفى وأحضريها، لاتتأخري..وإنسي أمر المخدر، أدي العملية وأنا مستيقظ"
هلمت لتجادله فيما يخص المخدر، لكنه أخرسها بنظر ساخطة واحدة منه...
بلعت ريقها وأومئت رأسها بإيجاب، حملت معطفها وخرجت مسرعة من الشقة مهرولة في ذلك الفجر المظلم...
لا سيارات ولا أناس..تركض وحدها في الشارع كالمجنونة، ولايوجد صوت عدى صوت حذائها وهو يلامس الأرض مع كل خطوة سريعة تخطوها...
وصلت إليه أخيراً..لكن كيف ستدخل!؟
وقفت تلهث ممسكة ركبتيها بيديها ترتاح، ثم دارت حول السياج الحديدي إلى أن وصلت إلى الحديقة الصغيرة داخل المشفى..رفعت نفسها لأعلى بصعوبة وتسلقته...
قفزت مصدرة بعض الضجيج، ليقف الحارس دايفيد من على كرسيه وقد نست بأنها مناوبته هذه الليلة...
كان دايفيد ضخم البنية جاداً في عمله..بالرغم من طيبة قلبه إلى أنه لايتساهل أبداً فيما يخص عمله...
بلعت ريقها وتسللت بسرعة كقطة هاربة، تمكنت من الدخول عبر الأبواب الخلفية بخفة..مشت في الأروقة بكل هدوء، ثم إتكئت على الجدار لتستدير يساراً..لتفاجأ بوجه أمام وجهها مباشرة، صرخت ووقعت أرضاً...
-" الطبيبة شارلوت.."
رفعت عينيها ببطئ لتجده مريضها العجوز صاحب الوجه المخيف..يمسك بيده السيروم ينظر إليها بتعجب، وهنا فقدت شارلوت القدرة على الكلام..لم تُجِد الكذب قط في حياتها..فالكذب دوماً يظهر على وجهها...
بلعت ريقها وصمتت، ليردف هو" هل لكِ أن تحضريلي ماء يا بنيتي؟ إستيقظت بصعوبة لأتمكن الذهاب إلى الحمام أما الماء..فهو في الطريق الآخر بعيد جداً.."
هزت رأسها إيجاباً وقد ذهب ذلك الخوف والتوتر عنها نوعاً ما...
ساعدته في العودة إلى سريره وأحضرت له الماء كما طلب..وهاهي الآن ذاهبة نحو غرفة المعدات الإحتياطية...
إن إختفت بعض منها قد لايحسون بالأمر، فهي ليست مما يستعلمونه دوماً بل هي جديدة كلياً ومخبئة للإحتياط، عينت دمه الذي جلبت بعضاً منه معها، وأسرعت بإلتقاط كيس دم بنفس زمرة دمه للإحتياط فقد تحتاجها لاحقاً...
حملت علبة المعدات تلك وهاهي تركض من جديد تعود من حيث أتت..لكن هذه المرة كان الحارس دايفيد في إنتظارها...
رمت العلبة خارج السياج لتقع وتصدر صوتاً مرتفعاً وصل لمسامع الحارس...
وقف عن كرسيه وركض مسرعاً بإتجاه الصوت..في حين كانت هي قد تسلقت ورمت نفسها بالإتجاه الآخر...
حملت علبتها وهرولت محاولة الفِرار..ليلحق بها كالصاروخ بينما يصرخ" توقف! أنت!!"
كاد قلبها أن ينفجر خوفاً وتعباً..تركض وتركض هاربة منه كغزال هارب من فريسته...
لكنها وبأعجوبة تمكنت من تضليله، دخلت في إحدى الأزقة مختبئة خلف علبة قمامة..مغلقة فمها بيدها كاتمة أنفاسها...
عادت بعد مرور بعض الوقت، فور دخولها الشقة أغلقت الباب وإتكئت بظهرها عليه وتنفست الصعداء مغمضة عينيها...
حين فتحتهما وجدت مايسون واقفاً أمامها، شهقت بصوت عالي ووضعت يدها على قلبها بخوف..ليستمر هو بالوقوف ينظر إليه بعيونه الحادة...
-" أ..أحضرت الأدوات.." أردفت شارلوت رافعة يدها أمامه مشيرة للعلبة...
إستمر بالتحديق فيها لثوانٍ ثم إستدار وعرج لغرفة والدتها، تنفست شارلوت الصعداء وإنزلقت على الأرض...
بقيت لثوان لتسمعه ينادي" أين أنتِ!"
قفزت من مكانها وركضت إليه مسرعة" نـ..نعم!"
-" باشري عملك"
هزت رأسها إيجاباً بقلة حيلة وأسرعت بلبس قفازاتها وتعقيم الأدوات، نظرت إليه نظرة أخيرة وسألت" أمتأكد من قرارك..أن لا أستخدم المخدر؟"
-" أجل" قال ودون أن أن يتكبد عناء النظر إليها..أخذت نفساً عميقاً وبدأت تفتح الجرح بالأداة محاولة إخراج تِلكما الرصاصتين...
بينما إصطك هو على أسنانه وبدأ يتعرق..وبقي يراقب كل حركة تقوم بها بعناية حذراً من أي تصرف خاطئ تقوم به...
بينما تشوشت هي بسبب رؤيتها له يتألم..إعتادت على تخدير مرضاها كي لايشعر أحدهم بالألم، لكن هذه المرة تألمت مع الرجل بالرغم من المعاملة التي تتلقاها منه...
أخذت تتعرق وتمسح على جبينها..معقدة لحاجبيها مركزة لأقصى الحدود...
***
بعد مدة ليست بطويلة أخاطت شارلوت الجرح وإنتهت أخيراً، أخذت نفساً عميقاً وهزت رأسها مشيرة له بأنها قد إنتهت...
-" ماء.." أردف بصوت مبحوح وقد جفت شفاهه، فأسرعت هي بإزالة القفازات وإحضار كأس ماء له..وأخذت تتأمله بخوف وهو يشرب..عيون ذابلة مغلقة كعيون الآسيويين لكنها محفورة بعض الشيء ومكتظة بالرموش..حولهما سواد التعب يجعلهما يبدوان كعيون مصاصي الدماء...
بشرة بيضاء شاحبة كبشرة الموتى..شعره أسود يصل تحت أذنيه بقليل..مقصوص بتدرج..وبضع خصلات منه منسدلة على وجهه...
لحية خفيفة على ذقنه ومنها يصل إلى خده بتدرج..يمتلك شارباً خفيفاً يكاد لايرى...
ملامح وجهه أمريكية حادة، طويل ذو أكتاف عريضة، لكن بنيته ضعيفة قليلاً...
رفع عيناه ينظر إليها حتى إلتقت بخاصتها، فأسرعت بإنزالهما تنظر إلى الأرض بتوتر..مد يده يسلمها الكأس وحرك نفسه ببطئ يصاحبه وجع...
-" أطفئي النور"
رفعت شارلوت حاجبيها وإتسعت عيناها منزعجة من تصرفه...
(هل يظن نفسه بمنزله!؟)
وقفت بهدوء وأطفئت النور..ليردف من خلفها بنبرة تهديد" لاتغادري لأي مكان.."
إنقبض قلبها وشعرت بغصة..لكن إكتفت بالإيماء إيجاباً وخرجت من الغرفة...
جلست على الأريكة بتعب، أخذت الأفكار السلبية تدور في رأسها دون توقف..وآل بها المطاف منهارة في نوم عميق...
يتبع...
أرائكم؟؟ توقعاتكم؟؟🤩
شكراً على القراءة..أنرتم 💜 ✥ بقلم إيمان إيدا ✥