أردف من خلفها بنبرة تهديد" لاتغادري لأي مكان.."

إنقبض قلبها وشعرت بغصة..لكن إكتفت بالإيماء إيجاباً وخرجت من الغرفة...

جلست على الأريكة بتعب، أخذت الأفكار السلبية تدور في رأسها دون توقف..وآل بها المطاف منهارة في نوم عميق...

***

مشى آدم بخطى عريضة..يمشي بغضب نحو أحد الضباط وملامح وجهه لاتبشر بالخير أبداً...

أمسكه من ياقته وألصقه بباب السيارة بعنف وصرخ في وجهه معاتباً" لما تركتموه يهرب أيها الـ*** أخبرتكم أن تلحقوا به من الإتجاه الآخر فلم لم تفعلوا!؟ اللعنة على ذلك كنت سأمسك به.."

دفعه بعصبية ومشى في طريقه يلعن ويشتم، ثم وقف أمام إحدى سيارات الشرطة التي تنير المكان بضوئيها الأزرق والأحمر، ووضع عود سيجارة في فمه وأخذ يشعله..رفع رأسه ليجد رئيسه يقف أمامه يقول بتفهم" ليست غلطتك..سأتأكد من معاقبتهم لتجاهلهم الواجب.."

تنفس آدم الصعداء وقال متكئاً على السيارة" دعك منهم..عاقبتهم وإنتهى"

إبتسم رئيسه على طيبته المبالغ بها، ثم أردف بجدية" لم يفت الأوان بعد لإمساكه..قلت لي أنك أصبته؟"

هز آدم رأسه إيجاباً وأجاب" وثلاث رصاصات أيضاً.."

-" لايمكن أن يبتعد كثيراً مع تلك الإصابات"

-" لاجدوى..بحثت عنه أنا وفريقي ولم نعثر على أي أثر له، إنه كالشبح!" قال آدم بهدوء لكن بدى عليه الإنزعاج الشديد، ليتبع الرئيس حديثه:

-" ليس وكأنه سيركض وسط الطريق بتلك الإصابات تلك"

إتسعت عينا آدم ونظر إليه بخفة، ثم أردف بإبتسامة" لجئ إلى منزل ما!"

أومئ رئيسه إيجاباً وأتبع" لك رخصة كاملة لتفتيش المنطقة، وضع حواجز حولها وليقم الرجال بتفتيش كل سيارة تمر خارجها..سنمسكه لو تطلب منا الأمر تفتيش المنطقة منزلاً بمنزل"

أشار آدم بتحية عسكرية وأردف بإبتسامة وقد إستعاد حماسه" أمرك أيها الرائد!"

هز الرائد سبنسر رأسه بإيجاب وغادر...

***

-التاسعة صباحاً-

إستيقظ مايسون على ضوء الشمس المتسلل من نافذة الغرفة، وجلس في مكانه ببطئ خشية الشعور بألم في مناطق إصاباته..ثم نادى" أنتِ!"

لم يسمع رداً..أعاد الكرة ينادي وينادي لكن ودون جدوى...

قضب حاجبيه في إستغراب..وخطر بباله فجأة...

(هل يعقل أنها كشفت خدعتي وهربت!؟)

وقف بسرعة يعرج نحو الصالون..ليفاجئ بها مكورة حول نفسها نائمة كالملاك..وبضع خصلات من شعرها البني بلمعته الذهبية تمردت وعتت على وجهها...

تنفس الصعداء بإرتياح ثم إقترب منها..وقف بجانبها ووكزها بإصبعه في زندها...

لتبعده هي بإنزعاج وتستدير بالإتجاه المعاكس معدلة وضعيتها براحة...

قرب وجهه من خاصتها بهدوء ورقة..ثم عقد حاجبيه وصرخ في أذنها" أنا أناديك منذ ساعة!"

قفزت من مكانها مرعوبة تلملم شتات نفسها..لم تستوعب أن هناك رجلاً في منزلها فمازالت أثر تخدير النوم...

-" مـ-ماذا! أ..أين أنا أمي؟؟"

ظل واقفاً ينظر إليها بوجه جامد مرخياً لعينيه وكأنه يعاتبها..لتحك عينيها وتنظر إليه مجدداً...

-" لم يكن حلماً!" شهقت بصوت مسموع ليمسكها من ذراعها ويسحبها بعنف لتقف أمامه، فبلعت هي ريقها مخفضة رأسها بتوتر..وقدماها لم تتوقفا عن الإرتجاف خوفاً...

-" أاا..اا أرجوك لاتؤذني!!"

رفعت يدها فوق رأسها محاولة حماية نفسها..فزفر هو بضيق وأتبع كلامه بنفس الجدية " أخرجي وإشتري لي كلاً من هذا الدواء وهذا.." قال بينما يشير إلى علب الأدوية التي سحبها من سترته، ثم أتبع بينما ينظر إليها بتحذير" إشتري لي جريدة..وتفقدي أماكن رجال الشرطة بالتحديد، وإياكِ..والتفكير في فعل شيء تندمين عليه لاحقاً"

أصيبت بالقشعريرة، لتومئ برأسها وتحمل حقيبتها عازمة على الخروج...

نزلت السلالم تاركة الباب مفتوحاً..وقد ظن مايسون أنها قد أغلقته خلفها، لذا دخل غرفة والدتها وإستلقا على سريره محاولاً كبح ألمه وجروحه التي تحرقه مع كل إنش تلئمه...

مشت شارلوت على الرصيف بقلق..تضم يديها لصدرها وتنظر حولها كل ثانية بشكل مريب..وكأن هناك من يلاحقها!

حتى وصلت إلى المكتبة التي تبيع الجرائد..فور دخولها إصطدمت برجل أمامها بقوة، أمسكت رأسها بألم ثم رفعته ببطئ وعلى وجهها ملامح إنزعاج...

لتلمح زي عسكرياً بلون أزرق غامق..رفعت عيناها أكثر لتجد صاحب الشعر البني..ذو العيون الزرقاء..ببشرته الحنطية...

(أوليس هذا آدم! ما الذي يفعله هنا!؟)

بلعت ريقها وإزدادت سرعة دقات قلبها من الخوف..وكلما حاولت إخفاء ذلك كلما بدى عليها التوتر أكثر!

إتسعت عيناه وبرقتا بخفة، ثم إبتسم وقال بإحترام" سعيد برؤيتك مجدداً..شارلوت"

إبتسمت بشفتاها المرتجفتين، ليلحظ هو خلل فيها..لكنه إعتقد أنها خجلة منه وحسب..فأراد أن يلطف الجو فأتبع مازحاً إياها:

-" هل تهابين الزي العسكري؟"

أومئت برأسها إيجاباً بملامحها الطفولية الخائفة..وكانت تلك إجابة غير متوقعة بتاتاً بالنسبة له، رفع حاجبيه وسأل مجدداً لكن بنبرة متسائلة " تخافين من الشرطة إذاً!"

هزت برأسها مجدداً ثم أنزلت عينيها تنظر للأرض بتوتر، فحك هو شعره وقد شعر هو الآخر بالتوتر من ذلك الموقف" تخاف مني إذاً.." تمتم مكلماً نفسه..لتسحب هي جريدة أمام الباب وتحييه قائلة" أتـ..أتمنى لك يوماً سعيداً" قالت وركضت مسرعة داخل المتجر لتسدد ثمنها، فإبتسم هو إبتسامة جانبية وكلم نفسه" لربما كانت خجولة وحسب.."

مر رفيقه بجانبه ونظر إليه بتعجب، ليردف بسخرية" تقف كالصنم وتحدث نفسك..هل أنت ثمل؟" قهقه مندهشاً من تصرفه الغير معتاد..لينظر إليه آدم بطرف عينه بحدة وأشار برأسه أن يغادر مهدداً، فرفع رفيقه يديه مشيراً للإستسلام وقال" أعتذر أعتذر أيها الملازم!"

تنفس آدم الصعداء ومشى نحو سيارته..ليسمع من خلفه صوتاً ناعماً يناديه" سيد آدم.."

إستدار بخفة ليجدها هي..تنظر إليه بتلك العيون البريئة المكتظة بالرموش..وبشعرٍ تتطاير خصلات منه مع الرياح...

-" نعم.."

-" أ~ أحم..هل ستبقى هنا لفترة طويلة؟"

قفز قلبه فرحاً بتلك اللحظة..ظن أنها تسأل لتدعوه ليشرب شيئاً أو ماشابه...

-" آه..أجل سنبقى ربما يومين ثلاثة..لا أعلم حقاً، لما السؤال؟"

صمتت شارلوت وأشاحت بنظرها بعيداً عنه، ثم وبتعلثم أجابت" إن..إنه بسبب......فالتنس الأمر كان مجرد فضول"

قالت وقد شعرت بأن نفسها سينقطع...

(سيكشفني سيكشفني سيكشف أمري بالتأكيـــــــد!!)

هز رأسه إيجاباً مخفياً تلك الإبتسامة من وجهه..ظناً منه أنها قد خجلت من دعوتها له، ليردف واضعاً يديه داخل جيوبه" فهمت..هل تعيشين في هذا الحي؟"

هزت رأسها إيجاباً بعيون متسعة تبرقان..غير مستوعبة أنه قد تجاهل سبب سؤالها، خطر ببالها أنه سيتم القبض عليها هنا والآن بسبب أفكارها الطفولية...

إبتسمت وأردفت بسعادة ورقة" أعذرني..يجب علي الذهاب"

هز رأسه بإيجاب بتفهم، ثم أشار لها بالعبور بطريقة مسرحية طريفة...

مشت على الرصيف بخطوات متسارعة وهي تضع يدها على صدرها محاولة إيقاف نبضات قلبها...

(سيمكثون يومين أو ثلاثة..ساعدني يا إلهي..)

***

في تلك الأثناء، فتحت نانسي باب شقتها المقابل لباب شقة جارتها شارلوت تضع كيس القمامة الكبير..تجره وتشتم وتلعن إبنها الذي لم يأخذه معه حتى فاحت رائحتها...

لمحت باب شقة شارلوت مفتوحاً..ولايوجد صوت يدل على وجود أحد في الداخل...

ضيقت عينيها وبفضول مشت نحو الباب، فتحته بهدوء ودخلت بخطى خفيفة تكاد لاتُسمع..أخذت تراقب المكان بعينيها تفحصه، ثم ذهب نظرها نحو غرفة والدة شارلوت المتوفية...

تسللت على أصابع قدميها ثم ألصقت أذنها على الباب تحاول سماع مايجري خلفه...

لتسمع صوت أنين..صوت شخص يتألم...

وضعت يدها على فمها بصدمة..ثم وضعت يدها الأخرى على مقبض الباب وأدارته ببطئ مستعدة لفتحه...

-" ماذا تفعلين!!" صرخت شارلوت من خلفها بعتاب وقد إحمر وجهها غضباً معقدة حاجبيها، توترت السيدة وأشارت للباب تارة وأخذت تحرك يديها في الهواء وكأن القط قد أكل لسانها...

-" لقد تجاوزتِ حدودك سيدة نانسي!" قالت شارلوت بحدة بينما تمشي بخطوات عريضة بإتجاهها والشرارات تتطاير من عينيها، أمسكت ذراعها بعنف وسحبتها للخارج تطردها دون مقدمات...

-" لـ..لقد سمعت صوتاً في تلك الغرفة!"

-" هااه حقاً؟ وما شأنك بغرفي كلها!؟"

عقدت نانسي حاجبيها وقالت بصوت كفحيح الأفاعي مضيقة عينيها بشك" أعلم أنكِ تخبئين سراً شارلوت ولن يطول الأمر حتى أكتشفه!"

ثم دخلت وصفعت باب شقتها خلفها، تنفست شارلوت الصعداء وسمحت لأطرافها بمواصلة الإرتجاف من خوفها بالتفكير في ماسيضطر مايسون لفعله معها، بما أنها أخطأت وتركت الباب مفتوحاً متيحة لجارتها بالدخول ورؤيته هكذا...

أغلقت الباب بروية، ثم مشت نحو غرفة والدتها المغلقة حاملة بيدها صحيفة الجرائد تلك، أحكمت قبضتها عليها وفتحت الباب..ليقابلها وجه مايسون يحدق فيها بحدة...

شهقت وأغلقت فمها بيدها..ثم هلمت لتبرر ماحدث لكنه أوقفها حين رفع يده مشيراً لها بالصمت، فصمتت تنظر إليه بعيون قطة خائفة..بينما نظر إليها بطرف عينه يعاتبها بصمت...

خطف الصحيفة من يدها بعنف ومشى نحو سريره يعرج ببطئ متئلماً...

جلس عليه وأشار لها بالمجيء دون أن يتكبد عناء النظر إليها، فمشت هي بخطوات سريعة ووقفت أمامه تنتظر منه الأوامر، أخذ يقرأ العناوين الواحد تلو الآخر..وبعد مرور دقائق من الصمت رفع رأسه ينظر إليها بعيونه الذابلة وسأل بصوت خافت بارد...

-" ماذا عن الشرطة؟"

هزت رأسها إيجاباً وبدأت تقص عليه ماسمعته، وضع يده على ذقنه يمسحه ويفكر، ثم هز رأسه إيجاباً وأمرها بالإنصراف..وقد بدى ذلك لشارلوت وكأنها عبدة قد أعتق رقبتها إلى الأبد!

أومئت بإيجاب ومشت مسرعة خارج الغرفة، لتسمعه ينادي عليها بصوت عالٍ بارد لمس أطراف قلبها حتى فزت في مكانها" تعالي لحظة!"

بلعت ريقها وإستدارت تنظر إليه..ليتبع" الجرح يؤلم..تفحصيه"

أمسكت صدرها بيديها بخوف، ثم أخذت نفساً عميقاً ومشت نحوه محاولة تمالك نفسها وتصنع القوة، فتح أزرار قميصه ونزعه بهدوء، لتشير له بيدها أن يلف جسده ويمد لها ظهره لكي تفحص الجرح بين كتفه ورقبته، إستدار كما طلبت لتتحسس هي الجرح مدققة فيه، عقدت حاجبيها فجأة وتمتمت" يا إلهي.."

أسرعت نحو علبة أدواتها ليدير هو رأسه ينظر إليها بطرف عينه بينما يسأل ببرودة وعلى صوته بحة خفيفة" ماذا؟"

إقتربت نحوه ممسكة المعقم وبعض الأدوات وأجابته" لقد تفاقم الجرح وإلتهب..لا أدري كيف حدث هذا وبالرغم من أنني فعلت كل مايلزم"

نهض بسرعة يعرج ووقف أمام المرآة ينظر لجرحه يتأكد من كلامها، لتلتقي عيناهما في المرآة وهو ينظر إليها نظرة سخط فكاد أن يقع قلب شارلوت أرضاً من خوفها، فقالت مبررة" لـ..لم أقصد صدقـ-

قاطعها ببرود بينما يجلس" نظفيه"

هزت رأسها عدة مرات بتسرع ثم تقدمت نحوه وبدأت تعقم الجرح بالقطن ويداها ترتجفان دون إرادة منها، لتسأله من جديد وذلك لم يكن وقت السؤال بتاتاً" هل...ستقتلني؟"

أغمض عيناه بقوة ولم يجب، عم الصوت الأجواء وأطلقت شارلوت تنهيدة طويلة تأسى على حالها..لتردف بعدها بصوت خافت والخوف يتملكها" أرجوك لاتقتل موزيس وحسب.."

إبتعدت عنه وقد إنتهت، ليقف هو ويردف بينما يلبس سترته" متى سأتعافى بالكامل؟"

أخفضت شارلوت رأسها وأجابته" لـ..لا أعتقد أنه يستغرق كثيراً.."

عقد حاجبيه وصرخ في عجل" قلت متى!"

فزت شارلوت في مكانها وبدأ قلبها ينبض بشدة ليعتريها الخوف والتوتر من جديد، رفعت بصرها ببطئ تنظر إليه بترجي وأجابت" يحتاج عناية..ستتحسن حالتك بعد أيام لكن الجرح لن يغلق بهذه السرعة.."

ضيق عينيه وصمت يفكر بينما ينظر إلى الأرض بشرود، لتردف شارلوت محكمة قبضتها على حقيبتها مخفضة عينيها ورأسها للأسفل" هل يمكنني..الذهاب الآن؟"

حرك فكه بضيق وقال آمراً" لاتمرّنً قَدَمُكِ خَاَرِجَ عَتَبَةِ البَابَ"

أومئت رأسها بإيجاب تنتظر منه أن يجيبها، ليشير بيده بطريقة عابثة أن تغرب عنه..وماكان منها إلا أن تركض نحو غرفتها في إرتعاب وقلبها يدق كجرس هاتف ترك ليرن دون أن يرفع سماعته أحد...

دخلت وأغلقت الباب بعنف، لتسند ظهرها على الباب تبكي بألم..واضعة يدها على فمها كي لايسمع شهقاتها، أخذت تسحب أنفاساً عميقة كي توقف دموعها وغصة حلقها..بينما تطمئن نفسها ببضع كلمات يلفها الأمل ككيس نحيف...

(على الأقل لم يؤذني..هذه معجزة حتى الآن هو لم يلمسني..ساعدني يا إلهي..)

مشت ببطئ لتنهار على سريرها بتعب وإرهاق..وكأنها سافرت في مشوار بعيد وهاهي عادت لترتاح منه، أغمضت عيناها بقوة محاولة النوم لعل ذلك ينسيها بعض من الذي تعيشه ويطفئ الخوف الذي بقلبها...

بعد مايقارب الساعة بدأت تغفو وتمشي بهدوء إلى سلم الأحلام بعيداً عن الواقع..ليكسر ذلك الإسترخاء صوت طرقات متتالية على الباب جعلتها تفز مكانها..وعاد الخوف يتلبسها من جديد...

-" سأكسر الباب إن لم تفتحي!!"

هرولت نحو الباب وفتحته ببطئ بينما تنظر إليه مخفضة رأسها خوفاً من بطشه...

-" هل سمحتُ لكِ بإغلاق الباب!؟" قال بحدة وعيونه الملتهبة تحرقها بنظراته، هربت الكلمات من بين شفتيها وتعلثمت بكلمات مبعثرة غير مفهومة، ليتبع هو وقد أشاح نظره عنها يتنفس الصعداء" طعام..ألن تعدي؟"

إتسعت عيناها تنظر إليه بتعجب، لينظر إليها معقداً حاجبيه وبعتاب صرخ آمراً" حضري شيئاً يؤكل!!"

إبتعدت بضع خطوات بينما تومئ برأسها عدة مرات..ثم ركضت مسرعة نحو المطبخ ممسكة قلبها بيدها متشبثة بأناملها النحيلة في قميصها الأزرق الفاتح...

فتحت الثلاجة وباشرت بإعداد الطعام وهي تشُم رائحة طبخها التي تتخيلها شهية بسبب جوعها الشديد، أمسكت بطنها محدثة نفسها" لم أتناول شيئاً منذ البارحة.."

ثم اتبعت بمرح محاولة الترفيه عن نفسها كالبلهاء" لاتقلقي صغيرتي سأطعمك حتى الـ-

-" من تكلمين!" قاطعها صراخ مايسون من بعيد وصوته يقترب مع كل خطوة يخطوها متجهاً نحو المطبخ في غضب عارم...

تراجعت شارلوت للوراء حتى إلتصق ظهرها بالمغسلة وقد أوشك قلبها من الخروج من مكانه..تنظر برعب إليه وقد دخل المطبخ وأخذ يجول بنظره حولها وحول المكان...

-" من كنتِ تكلمين قبل لحظات!؟" أردف مصطكاً على أسنانه بغضب وهو ينظر داخل عينيها مباشرة، لتردف هي بخوف محركة رأسها بالنفي" كنت..كنت أكلم.." أغمضت عيناها بقوة وقد إمتزجت مشاعر الخوف والخجل داخلها، أحكمت قبضتها وأتبعت كلامها" كنت أكلم معدتي.."

أرخت عضلاتها بعد إعترافها بمدى غبائها وأطلقت تنهيدة طويلة، ليتقدم نحوها ويضع يده تحت ذقنها يرفع رأسها، ثم قرب وجهه من وجهها يدقق في عينيها يتفحصهما، هل هي تكذب..أم هي حقاً مجرد فتاة بلهاء كلّمت معدتها!

ضيق عينيه ومشى نحو الخارج بصمت، لينفجر القدر بجانبها ويقع على الأرض..أسرع خطاه عائداً ودخل ينظر إلى الفوضى التي عمت المطبخ من الألف للياء، ثم رفع بصره نحوها ليجدها واقفة أمام القدر تضع يدها على فمها بصدمة..تراجعت للوراء بخوف فور أن لاحظته يقف أمام الباب بينما تقول بصوت مرتجف" أقسم أنني لم أقصد..وقع بمفرده..أنا سيئة في الطبخ.."

تنفس الهول من فمه ومشى نحو الغرفة مشيراً لها أن تلحقه، أخذت تقدم خطوة وترجع الأخرى للخلف وقلبها يدق بقوة...

(سيقتلني..سيقتلني لامحالة..نهايتي محتّمة!)

فكرت ثم نظرت إلى السكاكين في السلة بجانب يدها (علي أن أدافع عن نفسي..أجل..يجب علي أن أقتله!)

ثم ترقرقت الدموع في عينيها متذكرة وجه موزيس وهو يضحك ويلعب معها...

أخذت نفساً عميقاً وبدأت أطرافها بالإرتعاش وحدها حتى وصلت إليه، أشار لها أن تأتي بجانبه وقد فعلت..ليردف دون أدنى إهتمام" أخرجي وإشتري شيئاً يؤكل"

رفع بصره نحوها وأتبع بتهديد" ولاترتكبي حماقات..ولاتلفتي إنتباه الشرطة إليك"

هزت رأسها عدة مرات وترقرقت الدموع في عينيها دون وعي منها وهي تشعر بإرتياح شديد، نظر إليها بطرف عينه لوهلة..ثم أشار لها بالإنصراف بينما يتمدد على السرير ببطئ متجنباً ألم جرحه...

حملت حقيبتها وركضت نحو الخارج غير مصدقة أنها نجت ولو لدقائق..ستعيش أكثر بعد..لم تحن نهايتها!

نزلت الدرج مهرولة دون التفكير بالصعود في المصعد، مشت على الرصيف تلف يديها حول جسدها وكأنها تعانقه..تفكر في أيامها السابقة كيف كانت في تعيش حياتها الهادئة في سلام..ثم تذكرت والدتها وأختها بينما تمشي مخفضة رأسها بضيق وحزن مشتاقة للتكلم معهما..للشكوى لهما عن ماتمر به في مثل هذا الوقت...

فجأة ودون وعي بدأت دموعها الحارة تشق طريقها على وجنتيها دون توقف..كمطر غزير هطل فجأة دون سابق إنذار...

وقفت وسط الطريق تمسح دموعها وسمحت لنفسها بالبكاء وهي تشهق بصوت عالٍ كطفلة بكاءة..لم تعد تحتمل أكثر من هذا ولم تعد تهتم بما يحدث حولها..فقط تريد إفراغ مابداخلها...

لتمر سيارة وسط الطريق وسائقها شاب طائش، أخذ يزيد السرعة بينما يرد على رسائل صديقه..فور أن رفع رأسه ضغط على المكابح بقوة وشهق بصوت عالٍ بإرتعاب...

نظرت إليه بصدمة تمسح دموعها، لينزل هو من سيارته ويصفع الباب خلفه بقوة بينما يمشي نحوها بعصبية عازماً على صنع مشكلة معها...

-" أنظري أين تمشين أيتها الـ-

لقط أنفاسه وأغلق فاهه فور أن رآى الملازم آدم ببذلته العسكرية يحدق فيه محرقاً إياه بنظراته، إقترب منه وقال ببرود مصطكاً على أسنانه يرعبه" لما العجل؟ قد سيارتك بتروي في المرة القادمة!"

تراجع الرجل بضع خطوات وهز رأسه إيجاباً، ثم ركب سيارته وإنطلق بها مسرعاً...

مد آدم يده لشارلوت التي أغلقت الطريق بالكامل بسبب وقوفها في الوسط بشرود، وبإبتسامة طيبة قال" ليس من الجميل وقوفك هكذا وحدك..ووسط الطريق أيضاً"

مسحت وجهها وقد إحمر أنفها أثر البكاء..أمسكت يده برقة من بين شهقاتها ليسحبها بتروي إلى الرصيف بينما يشير للسيارات أن يعذروه وقد تقبلوا إعتذاره من صميم قلوبهم فور رؤيتهم للزي الذي يرتديه...

ترك يدها ثم وضع يديه على كتفيها ينظر إليها..وبصوت هادئ أراح قلبها قال" ما الذي حدث لكِ شارلوت..تبكين بإنهيار وسط الطريق"

إنطلقت تبكي من جديد فور تذكرها لما ينتظرها في المنزل، وزادت شهقاتها حين إستوعبت الموقف الذي وضعت نفسها فيه وتذكرها بما حذرها مايسون منه قبل أن تخرج...

*لاتلفتي نظر الشرطة إليك*

يتبع...

أشوفكم بالفصل الجاي إن شاء الله~👋🤩

شكراً على القراءة..أنرتم 💖 ✥ بقلم إيمان إيدا

2020/03/09 · 368 مشاهدة · 2448 كلمة
47ImaneEdda
نادي الروايات - 2025