تحت سماء مليئة بالغيوم، كان يوشيرو يسير في الغابة، حيث بدأ يشعر بشيء غريب يتسرب إلى قلبه. لم تكن الغابة مليئة فقط بالضباب، بل كانت مليئة بشيء أعمق... كما لو أن كل خطوة كان يخطوها، كان هناك شيء يتبعه في الظلال.
كان الحارس قد اختفى، وتركه مع أصدقائه في صمتٍ قاتل. لكن تلك الصورة التي رآها داخل القبر لم تفارق عقله، صورة للطفل الذي رآى الخيانة تحدث أمام عينيه، صورة له وهو يشاهد من بعيد وهو عاجز.
**
"ألم يكن هذا هو ما كنت أخشاه؟" همس يوشيرو لنفسه، وهو يمسح يده على وجهه بحركة عصبية.
**
لم يكن يعلم أنه في تلك اللحظة، كان الشبح الذي يطارده منذ سنوات قد بدأ يظهر داخل قلبه، عميقًا أكثر من أي وقت مضى.
**
قالت ميساكي وهي تقترب منه، وكأنها تقرأ أفكاره:
"أنت لا تزال تفكر في الماضي، أليس كذلك؟"
نظر إليها يوشيرو وقال بصوتٍ بارد:
"الماضي هو ما جعلني هنا، ميساكي. لكنني لا أستطيع الهروب منه."
**
ثم تحركت الرياح بشكل مفاجئ، وكأنها تعبير عن حالة الاضطراب التي كانت في قلبه. أوقف رايكا خطواته وقال بلهجة جادة:
"لا بد أننا بحاجة لإيجاد طريقة لإغلاق هذا الباب... الباب الذي فتحته حين دخلت إلى تلك الأرض."
**
لكن يوشيرو لم يرد. بدا أنه مشغول بشيء ما، وتلك النظرة الحادة التي كانت في عينيه لم تفارق. سحب دفاتر قصائده، وكان يكتب شيئًا بصمت:
"الخيانة لا تأتي إلا من قريب،
من داخل القلب، لا من الظل.
كيف يمكن للمرء أن يواجه ذلك؟
إذا كان ظله هو من خان."
**
لم يكن يوشيرو يتحدث عن الخيانة فقط... كان يتحدث عن نفسه، عن تلك الهواجس التي نمت بداخله، عن ذلك الجزء المظلم الذي لا يريد أن يواجهه.
**
ومع مرور الوقت، زادت الهواجس، وظهرت الأصوات. أصوات كانت تهمس في قلبه، وتضيع في طيات ذهنه.
"لن تهرب... لن تجد الأمان أبدًا."
**
ثم بدأ يوشيرو يشعر بشيء غريب يتحرك في داخله، شيء يزداد كلما اقترب من أنقاض الماضي. كان هناك شبح يطارد ذكرياته، شبح كان يعبر في الظلال، يناديه ليواجهه.
**
وفي لحظة من اللحظات، تجسد الشبح أمامه. كان أبًا قاسيًا، وجهه مشوه من آثار الزمن، وعينيه مليئتان بالحقد. كان يوشيرو يعرفه جيدًا، كان هذا وجهًا من ماضيه، وجه شخصًا كان له اليد في تدمير عائلته.
**
قال الشبح بصوت خافت، مشبعًا بالمرارة:
"لم يكن الأمر كما ظننت، يوشيرو."
**
تراجع يوشيرو في مكانه، فزعًا، وكان قلبه ينبض بسرعة.
"أنت...؟!"
**
قال الشبح بابتسامة شريرة:
"نعم، أنا هو. أنا من زرع الخيانة في قلبك، لكنك لم تدرك... أنك كنت جزءًا من اللعبة منذ البداية."
**
بدأ يوشيرو يشعر بشيء يكاد ينهار داخله. كان صوته يرتجف وهو يرد:
"لا... لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًا. أنت... كنت خائنًا."
**
قال الشبح بتهكم:
"ألم ترى ذلك بعد؟ نحن جميعًا خونة في النهاية. الخيانة لا تأتي من الغرباء، بل من أولئك الذين يحبونك."
**
وفجأة، اختفى الشبح كما ظهر، تاركًا يوشيرو في صمت قاتل، عينيه تراقب الهواء الهائج من حوله. كان قد شعر أنه فهم شيئًا أساسيًا، شيء كان خائفًا من مواجهته طوال هذه السنوات.
**
ثم، قال يوشيرو لنفسه بصوت ضعيف، وكأن الكلمات تكاد تختنق في حلقه:
"إذا كانت الخيانة قد نبتت بداخلي... فكيف لي أن أصدق نفسي بعد الآن؟"
**
لم يكن الجواب موج
ودًا، ولكن كانت الحقيقة واضحة، وكان يوشيرو يعلم الآن أنه لا يمكن الهروب من الشبح الذي يسكنه.