غادر يوشيرو القرية عند الفجر، وعيناه مليئتان بالعزم. لم يكن يعرف وجهته، لكن حلمه كان يشده إلى طريق واحد... الغابة السوداء، حيث قيل أن الأصوات تهمس في الليل، وأن من يدخلها إما يعود مجنونًا أو لا يعود أبدًا.
**
مع حلول المساء، كان قد وصل إلى أطراف الغابة. الأشجار كانت ضخمة ومتلاصقة، والضوء لا يخترقها، كأنها تخبئ شيئًا أكبر من مجرد نباتات.
وقف يوشيرو أمام المدخل وهمس:
"إن كان الظل يختبئ في العتمة… فالعتمة أول ما أواجه."
**
في الداخل، لم يكن الطريق ممهدًا، بل كان كل شيء يتحرك. الأشجار تصدر صوتًا كأنها تتنفس، والضباب يلف كل شيء حوله. لم يرفع سيفًا، بل رفع يده ووضعها على جذع شجرة قائلاً:
"أعلم أنكم ترونني دخيلًا… لكني لست هنا للقتال. أنا فقط أبحث."
**
كانت الغابة تسأله دون صوت:
"ماذا تبحث يا من لا ظل له؟"
فأجاب يوشيرو في قلبه:
"أبحث عن ظل... لا يخصني وحدي، بل لمن فقدوا كل شيء."
**
في الليلة الأولى، رأى كائنًا غريبًا. مخلوق طويل له أربعة أرجل ورأس شفاف، ينبض في داخله ضوء أخضر.
لم يهرب منه، بل جلس على الأرض بهدوء. قال له:
"إن كنت وحشًا، فلا بأس… فحتى الوحوش تبحث عن معنى."
اقترب الكائن وشمّ يوشيرو، ثم ترك وردة سوداء عند قدميه واختفى.
**
في اليوم التالي، كان قد وصل إلى نهر داخل الغابة. الماء ساكن كأنه مرآة، لكنه لا يعكس وجهه... بل يعكس صورًا من الماضي: عائلته المقتولة، أكينا تزرع زهرة، وهارو يضحك، وظل يبتسم في نهاية المشهد.
**
قال يوشيرو لنفسه:
"هذا النهر لا يحمل ماءً... بل ذكريات."
**
في المساء، بدأ يسمع خطوات خلفه. استدار بسرعة، فإذا بثلاثة رجال يظهرون من بين الأشجار. أحدهم كان يحمل قوسًا، والثاني فأسًا، والثالث عيناه مغطاتان بضمادات.
قالوا له:
"من أنت لتدخل طريق الوحوش وحدك؟"
فأجاب بثقة:
"أنا مجرد خادم… يبحث عن ظلٍ وعده بالجيش."
تبادل الثلاثة نظرات صامتة، ثم قال الرجل ذو العينين المغطاة:
"نحن صيادو الهمس… نتبع أثر الظلال أيضًا. انضم إلينا إن أردت، لكن تذكّر… من يتبع الهمس، قد يفقد صوته."
ابتسم يوشيرو وقال:
"أنا لا أبحث عن الكلام… بل عن من يسمع الصمت."
**
وهكذا، تبدأ مرحلة جديدة من رحلته، ليس وحده هذه المرة، بل مع صيادين لا يقلّون غموضًا عنه.
لكن الغابة... لم تُظهر بعد وجهها الحقيقي.