كان الليل ثقيلاً، والسماء لا ترى منها نجمة، كأنها قررت أن تختفي حتى لا تشهد ما سيجري في هذه الغابة. جلس يوشيرو بجانب النار الصغيرة التي أشعلها الصيادون. أحدهم يُدعى شينكو، طويل القامة، لا يتحدث كثيرًا، فقط يراقب ويكتب في دفتر صغير. والثاني، ريزا، فتاة ذات عين واحدة، تدّعي أنها تسمع "الهمس قبل أن يُولد الصوت". أما الثالث، فهو العجوز الضرير هاكو، الذي يرى أكثر من المبصرين بكلماته العميقة.
**
تكلم هاكو قائلاً:
"أنت تبحث عن ظل؟ لا أحد يبحث عن الظل إلا إذا كان نوره مكسوراً."
رد يوشيرو بصوت منخفض:
"ربما... لكني لا أبحث عن ظل لنفسي، بل لعائلة صارت نورها رماد."
**
ريزا ضحكت ضحكة خفيفة وقالت:
"كل من دخل هذه الغابة قال الكلام ذاته... لكن لم نرَ أحدًا خرج منها كما دخل."
**
في صباح اليوم التالي، قرر الأربعة أن يسيروا نحو "الممر النائم"، وهو درب محفوف بالأشجار القديمة التي لا تتحرك حتى لو مرت العواصف.
خلال الطريق، لاحظ يوشيرو شيئًا غريبًا: طيور الغابة تحلّق، لكنها لا تُحدث صوتًا. لا زقزقة، لا صدى. كأن الهواء نفسه قد قُطع عن الحياة.
سألهم:
"لماذا لا نسمع شيئًا هنا؟"
أجاب شينكو أخيرًا:
"في هذا الممر، كل صوت يُستهلك… كل همسة تُسرق… حتى الأسرار تختفي من العقل."
**
واصلوا السير، حتى وصلوا إلى أطلالٍ قديمة تغطيها النباتات. كانت تشبه بوابة نصف مفتوحة إلى عالم آخر. على أحد جدرانها، وُجدت كتابة غريبة:
"إن دخلتَ لا تنظر للخلف، فالظل لا يحب أن يُراقَب."
**
أصرّت ريزا على دخول المعبد القديم رغم التحذير. ويبدو أن يوشيرو شعر بشيء غريب هناك. كأن الأرض تُراقب خطواتهم.
**
داخل المعبد، تفاجأوا بأن البناء ليس كما يبدو من الخارج. كان عبارة عن دوامة من الغرف، كل غرفة تُخرج ذكرى من عقل من يدخلها.
عندما دخل يوشيرو أول غرفة، وجد نفسه في منزله القديم، يرى والدته التي لم يرها من قبل، تقرأ له قصيدة، ويشعر بالدموع تملأ عينيه. لكنه يعرف أن هذا وهم.
همس:
"لن تخدعني الذكريات. أنا أعيش للحقيقة الآن."
ومشى عبر الجدار، تاركًا الصورة تتكسر وراءه كزجاج.
**
لكن... لم يخرج الجميع بسهولة.
هاكو سقط على ركبتيه في غرفة ثالثة، يصرخ كأنه يرى خطيئة قديمة، أما ريزا، فقد جثت في غرفة ملأى بالأصوات، تصرخ: "اصمتوا! لا أريد أن أسمع!"
**
يوشيرو قرر إخراجهم واحدًا واحدًا. تحدث مع ريزا:
"أصواتكِ ليست حقيقية، لكنها قوتكِ... تحكّمي بها، لا تكرهيها."
ثم سحبها بهدوء.
وبعد جهد طويل، خرج الأربعة من المعبد، متعبين لكن أكثر وعيًا.
**
هاكو ابتسم وقال:
"كل من خرج من هنا صار أقرب للظل. لكن انتبه… من يقترب كثيرًا من الظل، قد يفقد اسمه."
**
لكنهم لم يعرفوا... أن المعبد قد وضع علامة عليهم، وأن ظلًا كان يراقبهم من أول خطوة دخلوها.
**
وفي الليلة ، نظر يوشيرو إلى
رفاقه الثلاثة وهم نائمون، وتمتم:
"كل خطوة تقرّبني… لكنها أيضًا تُبعدني عن من كنت."