كانت الرياح الباردة تصفر بين الأغصان اليابسة، والسماء ملبدة بغيوم رمادية تُنذر بالعواصف. وقف يوشيرو عند حدود أرض منسية، لا تظهر على أي خريطة، ولا يُجرؤ أحد على الاقتراب منها. كانت تُعرف باسم: القرية المحرّمة.
هذه القرية لم تكن مهجورة فقط... بل ملعونة.
يُقال أن كل من دخلها لم يخرج منها أبدًا. لكن يوشيرو لم يكن مثل أي شخص آخر.
---
"إن أردت أن تقتل وحشًا، فلا بد أن تدخل عرينه أولًا... لكن إن كنت الوحش، فأنت لا تخشى شيئًا."
قالها بابتسامة خفيفة، وخطا إلى الداخل.
الهواء تغيّر، وكأن الزمان نفسه رفض دخوله. كانت المباني متشققة، والنوافذ مظلمة، لكن كل شيء فيها بدا وكأنه يراقب. كأن جدرانها تتنفس.
وفجأة…
ظهر أمامه رجلٌ طاعن في السن، ملتحٍ، يرتدي رداءً أبيض ملطخًا بالطين، وعيناه مغلقتان... لكنه كان يتحدث كما لو أنه يرى أعماق روح يوشيرو.
"عدتَ من الموت، وتحمل فيك شيطانًا، وتظن أنك تملك الحق في إحداث الفوضى؟"
رد يوشيرو بنبرة باردة:
"لست أبحث عن فوضى... أنا أبحث عن توازن... والميزان لا يُعادله إلا طرفٌ مُظلم يُقابل النور الزائف."
فتح الرجل عينيه، وكانتا بيضاء تمامًا.
"أنا حارس هذه القرية... آخر من تبقى من جماعة [كازينارا]، حماة القوة الغامضة. إن أردت المرور... فعليك أن تُثبت أنك أكثر من مجرد وعاء لشيطان."
---
وهنا بدأت أول مواجهة روحية حقيقية.
لم تكن معركة بالسيوف، بل معركة في الأعماق. سحب الرجل يوشيرو داخل بُعد عقلي، حيث يرى المرء أسوأ كوابيسه.
فجأة، وجد يوشيرو نفسه يعود إلى لحظة مقتله... يرى أفراد عائلة أوتسكا يُذبحون أمامه. لكنه لم يكن عاجزًا هذه المرة، بل كان يحمل القوة، ولكنه لم يُنقذهم...
كان الصوت في داخله يقول:
"هل قتلتَهم أنت؟ أم تركتهم يموتون؟"
كاد يوشيرو يصرخ، لكن صوته خُنق، إلا أن ابتسامته عادت، وتمتم بكلمات شعر:
"لا الليل يُخيف من ذاق الجحيم،
ولا الذنب يُثقل من قُطعت منه الرحمة."
---
وفي لحظة، تحطم البُعد، وانحنى الرجل العجوز أمامه:
"أنت لست بشريًا بعد الآن... أنت شيء آخر."
منحه الرجل خريطة قديمة، وقال له:
"إذا كنت تنوي كشف سر القوة المطلقة... عليك أن تبحث عن مرآة الأثر، حيث تُظهر لك حقيقتك التي تُخفيها عن نفسك."
وما إن غادر يوشيرو القرية، حتى اختفت من خلفه كأنها لم تكن موجودة أصلًا.
---
وقبل أن يرحل، كتب على حجرٍ في مدخلها:
"في القرى المحرّمة... تُولد الحقائق،
وفي ظلال النسيان... تُصاغ الأساطير."