نزلت من الفندق مع بلموت.
كانت ترتدي نظارتها الشمسية، رغم أن الجو لم يكن مشمسًا، وتضع وشاحًا حريريًا تخفي به جزءًا من وجهها.
بقيت خطواتها متزنة، ووجهها خالٍ من أي ملامح.
السيارة كانت بانتظارنا أمام المدخل، سوداء لامعة، يقودها رجل لا ينظر أبدًا في المرآة.
فتحت هي الباب الخلفي، ودخلت أولًا.
لحقت بها.
أغلقت الباب، استقريت بجانبها، ونظرت من النافذة.
قلت بصوت ساخر:
“شعور الركوب مع مشهورة… جميل جدًا.”
التفتت نحوي ببطء، ابتسمت بزاوية فمها.
“أنت الوحيد في المنظمة الذي يأخذ راحته بهذه الطريقة…
تتصرّف كأنك فتى عادي، لا يقتل.”
نظرت إليها.
أجبت دون تردد، بصوت هادئ لكن حاد:
“إذا أصبحتُ مثلكم يومًا ما…
فسأكون رصاصتكم الفضية… عزيزتي بلموت.”
صمتت.
لم ترد.
لكن نظرتها لم تكن فارغة.
⸻
توقفت السيارة أمام مطعم فاخر في وسط مانهاتن.
الواجهة الزجاجية تعكس ضوء المدينة، والحضور أنيقون أكثر من اللازم.
نزلنا سويًا.
قالت بلموت، وهي تغلق باب السيارة:
“هذه… بدل أتعابك.”
نظرت إليها وأجبت بهدوء:
“أشكرك.”
رفعت حاجبها، ابتسمت بسخرية خفيفة، وقالت:
“قصدك شكرًا أختي الكبرى.”
هززت رأسي بابتسامة قصيرة.
شعور داخلي مرّ في ذهني
تناول العشاء في مطعم فاخر بين مهمّتين للقتل…
أمر غريب .
دخلنا.
لم يسألنا أحد عن الحجز.
الموظف في الاستقبال انحنى مباشرة وفتح الطريق.
دخلنا دون توقّف.
ابتسمت جانبًا وعلّقت بصوت منخفض:
“هذه فوائد الشهرة.”
سارت أمامي، تقودني بثقة إلى طاولة منعزلة في الزاوية البعيدة،
منفصلة تمامًا عن بقية الزبائن.
جلست، وجلستُ أمامها.
نظرت إليها وسألت:
“لماذا هذا المكان تحديدًا؟”
أجابت، وهي تمسك بقائمة الطعام:
“لأن الإشاعات قد تقيّد مسيرتك كمدرّس.”
ضحكت بخفة، ثم قالت للنادل:
“أحضر لنا كل ما في القائمة… ما يستحق الأكل منها على الأقل.”
أومأ النادل وانصرف فورًا.
جلستُ بهدوء، أراقب انعكاس الأضواء على كأس الماء أمامي.
لحظة قصيرة من الهدوء،
بين رصاصة مضت… ورصاصة ستأتي.
⸻
اقترب الطعام، وبدأنا بالأكل.
الأجواء فاخرة، الأطباق مُزينة بدقة، النكهات مدروسة…
لكن في داخلي، الجو مشحون.
نظرت إليها بين لقمتين وسألت:
“أين وُلدتِ؟”
رفعت عينيها إليّ، قطعت الشوكة حركتها، ثم قالت بهدوء:
“في اليابان.”
توقّفت لثانية، ثم أضافت بنبرة مختلفة، فيها تهديد ناعم:
“لكن الأسئلة… لها ثمن.”
صمتُّ.
لم أرد، ولم أظهر انزعاجًا.
نظرت إليها بهدوء.
“لم أبدأ التحقيق فيك بعد.”
هكذا فكرت… دون أن أنطق.
ثم قلت بصوت خافت، وأنا أعود للطعام:
“لا يهم.”
أكملت العشاء بهدوء.
الطعام لذيذ، والسكين الحقيقية… لم تُسحب بعد.
بعد أن انتهينا، مددت يدي نحو الفاتورة، لكنها سبقتني.
دفعت المبلغ دون نقاش.
خرجنا من المطعم، الأضواء لا تزال ساطعة، والليل بدأ يبرد.
في الخارج، كانت سيارة سوداء تنتظرنا.
السائق فتح الباب دون كلمة.
دخلنا معًا.
جلست على يساري، وأنا نظرت من النافذة.
⸻
داخل السيارة، نظرتُ إلى بلموت وسألت:
“ما هذه المسرحية؟ لماذا نحضرها أصلاً؟”
أجابت بهدوء، وهي ترتّب شعرها أمام المرآة الصغيرة:
“خدمة لصديقة قديمة.”
لم تضف شيئًا، ولم أضغط.
الجو في السيارة كان مستقرًا… لكن خلف الكلمات، أمور لا تُقال.
وصلنا.
توقفت السيارة أمام بوابة المسرح الكبير.
نزلنا معًا.
كانت هناك حشود صغيرة من المدعوين، مصورون، وبعض رجال الأمن.
بعد لحظات، لاحظتُ رجلاً يقترب.
مفتش شرطة.
اقترب منها مباشرة، حيّاها بابتسامة رسمية، وتبادلا كلمات قصيرة لا أستطيع سماعها بوضوح.
أنا… تواريت عن الأنظار.
وقفت خلف عمود رخامي كبير، راقبت بصمت.
تحدثا للحظة، ثم استدار المفتش وغادر المكان.
أما هي…
سارت بهدوء نحو الجانب الخلفي من المسرح.
راقبتها.
بعد دقائق… خرجت.
لكني لم أرَ شارون فينيارد.
رأيت المفتش.
نفس الطول. نفس الزي. نفس مشيته.
لكنني عرفت.
نظرة العين، طريقة الحركة، حتى الابتسامة المرسومة بخبث.
بلموت… تنكّرت بشكل المفتش.
شعرت بصدمة خاطفة، لكن سرعان ما ابتسمت.
هكذا تعمل.
صديقة قديمة، مسرحية، تنكّر…
ولا أحد يعرف من يُلاحق من.
⸻
وقفت في الزاوية الخلفية من المسرح، أنظر عبر الشارع بهدوء.
مرت دقائق منذ أن خرجت بلموت متنكّرة بهيئة المفتش.
راقبت كل خطوة، كل التفاتة… كل شيء محسوب.
ثم رأيتها تتوقف فجأة.
سيارة جاغوار رمادية اللون ، متوقفة في مكان مخالف أمام الرصيف.
شرطي مرور كان يكتب المخالفة.
اقتربت منه بثبات.
بهيئة المفتش، وضعت يدها على كتفه، تحدثت معه بهدوء.
لم أسمع الكلمات… لكن نبرة الجسد كانت واضحة.
الشرطي توقف عن الكتابة.
أغلق الدفتر، حيّاها باحترام، وانصرف.
بلموت… أنقذت السيارة من المخالفة وكأنها المفتش فعلاً.
وقفتُ حيث أنا، أراقب.
ابتسمت بلا صوت.
⸻
كنت واقفًا في الزاوية، أراقب بلموت وهي تبتعد بهيئة المفتش،
حين سمعت فجأة صوتًا مألوفًا خلفي، يناديني:
“إييه! كوربا رين؟!”
استدرت فورًا.
الصوت…
الصوت كان واضحًا.
ران… وشينيتشي.
تقدّمت ببطء، وعيناي تلتقطان ما لم أتوقّعه في هذا المكان.
يوكيكو كودو ، والدة شينيتشي، تقف معهم.
قال شينيتشي وهي تنظر نحوي، مستغربة:
“من الذي أتى بك إلى هنا؟”
نظرت إلى “المفتش” الذي لا يزال قريبًا.
لحظات… ثم قامت بلموت بخطوة مفاجئة.
خلعت القناع.
وفي لحظة، ظهرت شارون فينيارد بابتسامتها الهادئة.
قالت بهدوء:
“لقد أتى معي.”
يوكيكو فتحت عينيها بانصدام:
“شارون؟ كيف؟!”
ردّت بلموت – شارون – بلباقة ناعمة:
“ذلك المفتش أحد معجبيني.
كنا نتبادل أطراف الحديث بينما كنت أنتظر، ثم تلقى بلاغًا عن جاغوار فضية تقترب بسرعة غير قانونية.”
أكملت وهي تنظر نحو يوكيكو:
“علمتُ فورًا أن الأمر يتعلق بك،
فقررت التنكّر بهيئته بسرعة.”
يوكيكو سألتها بقلق:
“هل الأمر على ما يرام؟ الجميع رأى ما حصل!”
شارون رفعت حاجبها وقالت بابتسامة ساخرة:
“أخبرتهم بأنه جزء من تصوير عمل درامي.
وهذا يفي بالغرض.”
صرخت يوكيكو بحماس:
“لهذا السبب أحبك!”
كان شينيتشي لا يزال مصدومًا، ناظرًا إليها بذهول.
قال بصوت خافت لأمه:
“أمي… أخبريني، من هذه المرأة؟”
ران ضربته على كتفه بانفعال:
“مستحيل… لا معقول أنك لا تعرفها!
إنها نجمة أمريكا في التمثيل!”
لكن شينيتشي نظر إلى ران وقال بهدوء:
“لم أسألكم من هي…
سؤالي هو: كيف يستطيع شخص مشهور مثلها أن يتنكر بهذه البراعة؟!”
كتمت ضحكتي بصمت.
موقف كهذا… لا يُصنع إلا أمامي.
يوكيكو نظرت إلى ابنها، وقالت بفخر:
“ألم أخبرك؟
عندما كنتُ ممثلة مبتدئة، حصلت على دور جاسوسة.
ولكي أتقن الدور، تدربت على يد ساحر مشهور في تقنيات التنكر.”
أكملت وهي تضحك:
“شارون كانت هناك لنفس العرض…
ومنذ ذلك الوقت أصبحنا صديقتين مقربتين.
لكن بالطبع، لا أحد يُضاهي شارون في التنكر.”
⸻
كنا نهمّ بمغادرة محيط المسرح، حين التفتت إليّ ران فجأة وسألتني:
“ما علاقتك بشارون؟”
توقّفت خطواتي لجزء من الثانية.
انصدمت.
ولأول مرة منذ فترة… لم أجد إجابة جاهزة في رأسي.
لكن شارون سبقتني، وردّت بنبرة هادئة كعادتها:
“إنه… قريبي من بعيد.”
عمّ الصمت.
حتى يوكيكو رفعت حاجبها بدهشة، بينما شينيتشي اتسعت عيناه قليلًا.
أما أنا… فابتسمت.
الغطاء وُضع.
واصلنا السير.
لكنني شعرت بنظرات شينيتشي تطعنني من الخلف.
راقبني بدقة… وكأنه يحاول أن يفك شفرة لا يراها غيره.
استدرت نحوه، ونظرت في عينيه مباشرة.
قلت بهدوء:
“إذا استمررتَ في التحديق إليّ بهذه الطريقة…
سأجعل أولى مهامي كمدرّس جديد في مدرسة تيتان الثانوية…
أن أفرّق بينك وبين ران.”
تجمّد.
ران:
“ماذا؟!”
شينيتشي:
“مـ… ماذا قلت؟! ستصبح مدرسًا في مدرستنا؟!”
أجبت، بابتسامة جانبية:
“قريبًا.”
ران شهقت، وشينيتشي عقد حاجبيه في شك.
أما أنا…
تابعت السير دون أن أنظر للخلف.
كل شيء كان يسير كما يجب…
بهدوء، وببعض التهديد اللطيف.
⸻
جلستُ بهدوء في الزاوية المظلّلة من صالة الانتظار الجانبية، بينما كانت شارون فينيارد تجلس مع يوكيكو كودو إلى الطاولة المجاورة.
الحديث بينهما بدا شخصيًا، عفويًا، لكنه كان واضحًا بما يكفي لأسمعه.
قالت شارون وهي تميل قليلاً للأمام، تمسك فنجان قهوتها بيد واحدة، نبرتها بين الضحك والمرارة:
“هل يمكنكِ تصديق ذلك، يا يوكيكو؟
في إحدى زياراتي لقبر زوجي…
كانت تقف خلفي، صامتة.”
توقفت للحظة، كأن الذكرى نفسها غير قابلة للتصديق.
“لكنها لم تكن فقط تراقبني…
كانت متنكرة بشخصية زوجي نفسه.”
نظرت إلى يوكيكو، ضيّقت عينيها بابتسامة ساخرة:
“ألا ترين أن ذلك مبالغ فيه؟
حتى لو كانت مزحة…
هذا مستوى آخر من القسوة.”
يوكيكو ضحكت بخفة، هزّت رأسها:
“أوه، تذكرت تلك المرة…
عندما كنتِ تخبرينني بأن كريس توسّلت إليكِ لتعلمها التنكر.
شارون حرّكت فنجانها قليلاً على الصحن الخزفي، وقالت بصوت أقرب إلى الهمس:
“لم أكن أعلم أنني سأدرّسها ما تستخدمه ضدي لاحقًا.”
بقيت صامتًا، أستمع فقط.
لم أتدخّل.
لكن سجلت المحادثه في عقلي
رائع، إليك مشهد مغادرتك بصيغة روائية فصيحة، تظهر فيه نبرة التهديد المبطنة بابتسامة هادئة ، وأنت تودع ران و شينيتشي بعد هذه الأمسية المليئة بالمفاجآت:
⸻
وقفتُ بهدوء، نظرت إلى ران و شينيتشي
قلت بنبرة هادئة:
“سعيد بلقائكما،لدي امر مهمه لعمله "
أومأت لران بلطافة، ثم التفتُّ إلى شينيتشي، الذي ظلّ يراقبني بصمت وتحفّظ.
أضفت، وأنا أستدير مبتعدًا:
“أراكم في المدرسة…”
ثم التفتّ نصف التفاتة، وابتسمت ابتسامة خفيفة… لكنها حملت معنى آخر.
ابتسامة تهديد.
ران نظرت إليه باستغراب، بينما شينيتشي شدّ قبضته دون أن ينبس بكلمة.
تابعت سيري.
الخطوات هادئة…
لكن الأثر تركته كما أردت.
⸻
ذهبت الان لاستعداد للمهمه