رنّ الجرس معلنًا نهاية الحصة،

أغلقت دفتر الحصص بهدوء، ثم نظرت إلى الطلاب وقلت:

“كان هذا كل شيء لليوم… نكمل غدًا.”

بدأوا بجمع دفاترهم، بعضهم انشغل بالحديث، وآخرون تجهزوا للمغادرة.

سونوكو كانت أول من كسر الرتابة.

قالت بصوت مرتفع قليلاً، وهي تنظر إلى المقعد الفارغ في الخلف:

“مرّ أسبوعان الآن… وما زال كودو غائبًا؟”

نظرت إلى ران ، التي بدت وكأنها لم تكن تتمنى سماع السؤال.

أجابت ران بعد لحظة صمت قصيرة:

“قال لي… إنه في قضية معقّدة،

ربما سيسافر خارج طوكيو لفترة قصيرة.”

سونوكو عقدت ذراعيها وقالت:

“قضية تستغرق أسبوعين؟

وحتى دون رسالة واحدة؟”

ران حاولت أن تبتسم، لكن نبرتها لم تكن واثقة:

“هو كذلك دائمًا… إذا اندمج في تحقيق، ينسى الوقت.”

كنت أراقب بصمت.

نظري استقر على المقعد الفارغ.

“أسبوعان…

والرصاصة ما زالت تتحرك.”

ثم التفتُّ إلى ران، وقلت بهدوء:

“إن حصلتِ على أي خبر…

أخبِريني فورًا.”

أومأت برأسها، دون أن تنظر إليّ مباشرة.

كنت أتمشّى بهدوء في شوارع حي بيكا ،

يدي في جيبي، والهواء يحمل نكهة الخريف المبكر.

الناس من حولي يمضون في صخبهم المعتاد…

وأنا وحدي أتحرّك في عالمٍ آخر،

أراقب… دون أن أُرى.

ثم، وكأنها مرتّبة…

لمحتهم.

ران موري ، تسير بجانب رجل كثّ الحاجبين،

وبينهما… ذلك الفتى الصغير ذو النظارة الكبيرة والبدلة الزرقاء.

اقتربت بخطى طبيعية، ثم توقفت أمامهم وكأن الصدفة قادتني.

“ما هذه الصدفة!”

قلت وأنا أرفع حاجبي بابتسامة خفيفة.

ران ابتسمت:

“كوربا-سينسي! لم أتوقع رؤيتك هنا.”

نظرت إلى الصغير،

وقلت، بنبرة متفاجئة:

“ألم تُخبِريني أن لديك أخًا صغيرًا؟ لم أكن أعلم.”

ضحكت ران، ولوّحت بيدها نافية:

“ليس أخي…

إنه قريب صديقٍ لي، والداه خارج البلاد،

ولهذا يُقيم معنا مؤقتًا.”

انخفضت إلى مستوى الطفل، نظرت إلى عينيه خلف النظارة.

البدلة، القامة، النظرة الذكية…

كونان الكلاسيكي أمامي.

ابتسمت، ومددت يدي:

“مرحبًا أيها الفتى… ما اسمك؟”

ابتسم الصغير بأدب، وقال:

“ايدوغاوا كونان.”

ابتسمت.

لكن في داخلي…

“تمثيلك ممتاز… يا كودو.”

وقفت مستقيمًا وسألت بنبرة عفوية:

“إلى أين أنتم ذاهبون في هذا المساء الجميل؟”

أجابت ران:

“سنقضي يومين في فندق إيزو، تغييرًا للأجواء.”

أومأت برأسي، ثم قلت:

“لكن… أليست المدرسة تبدأ بعد ثلاثة أيام؟”

ردّت ران بابتسامة:

“سنعود قبلها… لا تقلق، لن نتغيب عنك.”

ضحكتُ بخفة، ثم قلت:

“وهل تمانعون إن رافقتكم؟

سأتكفل بالعشاء كل ليلة.”

وقبل أن يبدأ توغو موري بالاعتراض، قاطعتُه بابتسامة جانبية وغمزة:

“والشراب… عليّ أيضًا.”

انفرجت أساريره، وضحك:

“بالطبع لا مانع لدينا!

بل أُرحّب بك، أستاذ كوربا!”

هكذا…

دخلت الرحلة.

جلست على الكرسي تحت المظلّة،

كوب العصير في يدي،

وأمامي امتدّ البحر بلونه الأزرق العميق.

ران كانت تسبح على مسافة غير بعيدة،

بينما كان العم توغو لا يزال منشغلًا داخل الفندق.

أما هو…

فقد جلس إلى جانبي.

الفتى الصغير ذو النظارة، الصمت، والتظاهر بالبراءة.

كنت أشعر بعينيه ترصداني… دون انقطاع.

أخذت رشفة من العصير، ثم نظرت إليه بهدوء.

“ماذا؟” قلتها بنبرة عابرة، لكن ثقيلة.

تبدّلت ملامحه للحظة، ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة طفل… لا تخدعني.

قال:

“كوربا-سينسي… هل…؟”

لم أتركه يُكمل.

“كودو شينيتشي، ألم أحذّرك؟”

رأيتها في عينيه.

تجمّد…

نظرة رعب.

نظرة من يدرك فجأة… أنه لم يكن ذكيًا بما يكفي.

اقتربت قليلًا، وخفّضت صوتي:

“اعتبر هذا تحذيرًا آخر لك.

ابتعد عن المشاكل…

وإلا…

فتحمّل ما يصيبك.”

ثم وقفت من مكاني.

على بُعد خطوات، اقتربت مني فتاتان، ابتسامتاهما عريضة،

إحداهما أرادت الحديث،

لكنني تجاهلتهما ببرود، وأشرت برأسي نافيًا.

تابعت سيري نحو الفندق، خطواتي ثابتة.

حان وقت حجز الغرفة…

دخلت إلى بهو الفندق،

أجواؤه فخمة لكنها خالية من الروح…

كأن كل من فيه جاء بنيّة غير الراحة.

كان العم موري يقف عند مكتب الاستقبال، وجهه متجهم.

اقتربت منه، فقال بنبرة منزعجة:

“هناك مشكلة في الحجز، دفعوا نصف المبلغ فقط… والباقي غير مؤكد.”

لم أعلّق.

أخبرت موظف الاستقبال أنني سأقوم بحجز غرفة على حسابي.

“غرفة منفصلة… وهادئة.”

ثم غادرتهم لبرهة.

ما إن عدت، حتى دخلت ران و كونان من الباب الزجاجي.

صوت البحر كان لا يزال يصل خافتًا من الخارج،

لكن في الداخل…

كان هناك من ينتظرني.

“أنت… بارون الليل، أليس كذلك؟”

صوته أتاني من الجهة اليمنى.

التفتُّ.

رجل قصير، قبيح الوجه، نظارته عريضة وبشرته باهتة.

كان يحمل حاسوبًا محمولًا، وأصابعه تتحرك بسرعة مزعجة.

لم أُجب.

ضغط على مفتاح، ثم قال:

“ست ثوانٍ.”

نظر إليّ:

“المدة التي استغرقتها لتتجاهل سؤالي… معلومة مفيدة.”

نظرت إليه نظرة باردة، وقلت:

“لم أجبك… لأني تجاهلتك، لا لأني كنت أفكر.”

ابتسم ابتسامة باهتة:

“اسمي كِنو شيرو. غرفتي 2002.”

ثم بدأ يستعرض الضيوف واحدًا تلو الآخر:

“إيّارا توكيو… الغرفة 2101.

كانيشيرو جينيشيرو… الغرفة 2001.

وخادمته هاياتي شيزو.

كاميجو هايديكو… الغرفة 2102.”

اقترب منا العم موري، وسأل بفضول:

“من هو هذا الـ… بارون الليل؟”

أجابت ران :

“شخصية خيالية شهيرة، تظهر في روايات يوساكو كودو.”

رفع موري حاجبيه:

“روايات؟! لا أفهم هذه الأمور… سأعود إلى غرفتي.”

قلت بهدوء:

“سأعود أنا أيضًا.”

واستدرت،

لكني كنت أعلم…

نزلت من غرفتي بهدوء.

الهواء كان رطبًا قليلًا، ورائحة البحر لا تزال عالقة في جدران الممر.

خطوت نحو البهو، لكنني توقفت عند زاوية الممر المؤدي إلى الحديقة الجانبية.

رأيته.

كونان، يقف خلف أحد الأعمدة،

ملابسه مبتلّة، جسده يرتجف قليلاً،

وفي يده هاتف صغير.

كان يتحدث بصوت خافت، لكن كلماته التقطتُها بوضوح.

“فيروس؟… هي بروفيسور…

هل يمكن أن يكون هذا الفيروس من النوع…؟”

قبل أن يُكمل، ظهرت ران فجأة من الطرف الآخر.

“كونان!

ما الذي تفعله هنا؟”

كان صوتها ممزوجًا بالضيق والقلق.

“كنتُ في انتظارك في ذلك المحل منذ مدة طويلة!

ما الذي حدث لك؟ أنت مبلّل بالكامل!”

ارتبك الصبي للحظة، ثم رد بسرعة:

“تعثّرت وسقطت في الحوض… فقط.”

نظرت إلى المشهد من بعيد.

لم أتدخّل، لكنني كنت أراقب.

كذبة.

واضحة…

وساذجة.

استدرت دون أن أقول شيئًا،

وتوجهت إلى المطعم الخارجي التابع للفندق.

كان مزدحمًا للغاية.

أصوات ضحك، طاولات ممتلئة، وموسيقى خفيفة بالكاد تُسمع.

جلست على إحدى الزوايا،

طلبت قهوة،

وجلست أراقب المدخل…

مشيت بخطى هادئة نحو المطعم الخارجي،

أضواء خافتة، أنغام خفيفة،

ورائحة أطباق ساخنة امتزجت بعطر البحر.

بين ازدحام الطاولات،

رأيت طاولة يجلس عندها العم توغو موري ،

يضحك بصوت مرتفع، إلى جانبه رجل وامرأة لم أتعرف عليهما بعد.

لكن… فجأة.

شعور اخترق صدري.

كأن شيئًا ثقيلًا يسقط على صدري… بلا صوت.

توقفت. نظري بدأ يبحث دون وعي.

ذلك الشعور…

لم أخطئه من قبل.

إنه يشبهه… يشبه حضور “جين”.

التفتُ ببطء.

وهناك، عند الطاولة القريبة من الشرفة، كان يجلس رجل مسنّ ، أنيق، يرتدي بذلة داكنة.

كانيشيرو.

صاحب الغرفة 2001 .

نظراته ساكنة… لكن في عمقها تيارات خفية.

اقتربت من طاولته، وقفت أمامه، ثم قلت:

“أتسمح لي؟”

رفع نظره إليّ بهدوء،

لم يبدُ عليه أي تفاجؤ، بل ابتسم ابتسامة خفيفة وقال:

“بكل تأكيد.”

جلست أمامه.

وما بيننا…

بدأ صمت ثقيل يتسلل.

ليست كل اللقاءات تبدأ بالكلمات…

بعضها يبدأ بالتحذير الصامت،

وبعينين تعرف الكثير.

2025/05/25 · 51 مشاهدة · 1046 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025