“من المجنون اللي يتصل بهذا الوقت؟”

مد يده وسحب الهاتف من الطاولة، رأى الاسم يلمع على الشاشة: [جين]

ضغط على زر الرد، وضع الهاتف على أذنه دون أن ينطق.

صوت جين البارد جاء واضحاً:

“العملية اليوم. فندق هايدو. ستكون دعمًا لبلموت وبيسكو. الموقع مؤمن. التنفيذ قبل الغروب.”

سكت قليلًا، ثم رد بصوت متهكم:

“مع العجوز؟ ألم يحن وقت تقاعده؟”

لم يرد جين.

ضحك بخفة، ثم أنهى المكالمة دون انتظار تعليق:

“كالعادة… أوامر بلا نقاش.”

ألقى الهاتف على السرير، جلس للحظة يحك شعره بعشوائية، ثم وقف وتوجه نحو الحمام.

اليوم… المهمة تبدأ.

وصل إلى المدرسة قبل قرع الجرس.

خطواته كانت هادئة، ملامحه صارمة كعادته.

اتجه نحو غرفة المدرّسين، ألقى التحية ببرود، ثم سحب دفتر التحضير وتوجه إلى الصف B-2 — فصل ران.

دخل الفصل، كان الطلبة يتحدثون بصخب، توقّفوا فجأة حين رأوه.

“اجلسوا.” قالها بصوت منخفض، لكن يحمل رهبة اعتادها الجميع.

توجه نحو السبورة، كتب بخط مرتب:

“Past Continuous Tense – الماضي المستمر”

استدار نحو الطلاب وقال:

“الزمن الذي نستخدمه لوصف حدث كان مستمرًا في وقت معين في الماضي.”

ثم بدأ يشرح:

“القاعدة بسيطة:

Was / Were + Verb + ing

مثال:

I was reading when the phone rang.

كنت أقرأ عندما رن الهاتف.”

نظر نحو ران الجالسة بهدوء، ثم أكمل:

“نستخدمه غالبًا مع حدثين… واحد كان مستمر، والآخر قطعه.”

رسم على السبورة خطًا زمنيًا، ووضع عليه مثالًا:

“She was cooking — when he arrived.”

ثم التفت إليهم قائلاً:

“الآن… من يعطيني جملة عن نفسه باستخدام الماضي المستمر؟”

رفع بعض الطلاب أيديهم، وبدأ التفاعل.

لكن عقله، في مكان آخر تمامًا.

كل حركة، كل كلمة، كان يراقبها…

فهو ليس مجرد مدرس للغة الإنجليزية.

بينما كان يكتب جملة جديدة على السبورة، لمح من زاوية عينه سونوكو تهمس بشيء لران، فتنخفض رؤوسهما وتعلو ابتساماتهما.

توقف عن الكتابة.

وضع الطبشورة بهدوء على الطاولة.

استدار نحو الفصل ببطء.

“سونوكو… ران.”

ارتفعت رؤوس الطلاب، وساد الصمت في اللحظة.

“هل الحديث الجانبي جزء من درس الماضي المستمر؟”

سونوكو حاولت التهرب:

“كنا فقط ن—”

قاطعها بصوت حازم:

“سأسأل وأسجّل إجابتك.

ما الفرق بين ‘I was watching’ و ‘I watched’؟”

سونوكو ترددت، ثم أجابت بتلعثم:

“الأولى… حدث كان مستمرًا… والثانية حدث بسيط؟”

“أكثر تحديدًا.” قالها دون تعبير.

ران تدخلت:

”‘I was watching’ تعني أن الحدث استمر في وقت معين بالماضي، بينما ‘I watched’ تعني أن الحدث انتهى دون تحديد إن كان مستمرًا أو لا.”

نظر إليها لثانية بصمت، ثم أومأ:

“إجابة صحيحة، ران.

وسونوكو… في المرة القادمة، إذا كنتِ تهمسين، فتأكدي أن تكون الإجابة على الأقل مثالية.”

عاد إلى السبورة، قال دون أن ينظر إليهما:

“الماضي المستمر لا يُقاطع… تمامًا مثل درسي.”

وساد الصمت مجددًا.

لكن في داخله، كان قد لاحظ شيئًا في حديثهما…

نبرة خفيفة من التوتر، نظرة مرتابة.

تسجيل داخلي بدأ، تمامًا كما تعلّم في المنظمة:

راقب التفاصيل… حتى داخل فصول المدارس.

كان قد عاد للشرح، يمشي بين الطاولات بخطوات هادئة، حين بدأ الهاتف في جيبه يهتز.

أخرجه دون أن يوقف الشرح، نظرة واحدة كافية لتجمّد ملامحه للحظة.

[بلموت – اتصال وارد]

حدّق في الاسم، ثم ضغط على زر كتم الصوت، وأعاد الهاتف إلى جيبه.

رفع نظره نحو الطلاب وكأن شيئاً لم يحدث.

“كما كنا نقول… الماضي المستمر يُستخدم عندما يقاطع حدث آخر حدثًا كان جاريًا.”

توقف لثانية، ثم ابتسم ببرود خفيف:

“مثلاً… I was teaching when someone called me.”

ضحك بعض الطلاب بخفة، لكن نظراته جعلت الابتسامة تختفي سريعًا.

أكمل الشرح حتى نهاية الحصة، وقبل أن يرن الجرس، أغلق دفتره وقال:

“راجعوا ما كتبناه… وتدرّبوا على جملكم الخاصة. غدًا سأختبركم.”

رنّ الجرس.

بدأ الطلاب يجمعون أغراضهم، بينما هو عاد بهدوء إلى مكتبه.

انتظر حتى خرج الجميع، وأغلق الباب خلفهم.

أخرج الهاتف من جيبه، ضغط على الرقم الأخير، وضعه على أذنه.

ثوانٍ… ثم جاء صوت بلموت الهادئ:

“كنت أعلم أنك لن ترد، كنت أراقبك…”

رد بصوت خافت وهو ينظر من نافذة الصف:

“لم أكن أريد أن أقتل أحداً… داخل المدرسة.”

صمتت بلموت لوهلة، ثم قالت:

“الخطة تغيّرت.”

ضاقت عيناه:

“حدثيني.”

الدرس انتهى… لكن اللعبة بدأت.

صوت بلموت جاء واضحاً في السماعة، ناعمًا… لكن يحمل توترًا خفيًا:

“ستكون نادلاً في المناسبة، مثل المرة السابقة.”

أغمض عينيه للحظة، زفر بهدوء، كأنه تذكّر شيئًا قذرًا من الماضي.

“بيسكو سيتولى الأمر.

أنا سأكون دعمًا من الخارج.

أنت… ستكون مراقبًا من الداخل.”

فتح عينيه، وقال ببرود:

“وجين؟”

ردت بلموت بنبرة منخفضة:

“يتوقع تدخلاً… لا أعلم من مَن بالضبط، ولم أسأله.”

سكت للحظة، ثم تابع:

“إذا كان جين يتوقع تدخلاً، فالتدخل قادم.”

سألها بنبرة حادة:

“هل الهدف واحد؟”

قالت:

“حتى الآن… نعم.

لكن بيسكو بدأ يشك أن الهدف ليس كل شيء.”

أغلق الستارة ببطء، عاود الجلوس خلف مكتبه، وعيناه لا تزالان معلّقتين على الباب المغلق.

“وصلت.”

قالها بهدوء، ثم أنهى المكالمة.

المدرس انتهى…

المراقب بدأ عمله.

غادَر المدرسة مع نهاية الدوام، لم يُعر الزملاء أي اهتمام، خرج من البوابة وكأن يوماً عادياً انتهى… بينما الحقيقة، أن ليلته بدأت للتو.

بعد ساعات، كانت سيارة أجرة تقف أمام فندق هايدو

غاردن.

نزل منها بخطوات واثقة، يحمل حقيبة صغيرة سوداء.

دخل من الباب الخلفي، مرّ بين العمال والطهاة دون أن يلتفت إليه أحد.

توجه إلى غرفة الموظفين، فتح الحقيبة وبدأ يرتدي زيّه الجديد:

قميص أبيض مكوي، صدرية سوداء أنيقة، قفازات قماشية، وساعة بسيطة دون علامة.

وقف أمام المرآة، عدّل ربطة العنق قليلاً.

ثم نظر إلى عينيه عبر الانعكاس، تمتم بهدوء:

“الليلة… أنا نادل. فقط.”

خرج بهدوء من الغرفة، واندمج مع باقي الطاقم كقطعة من الخلفية.

حمل صينية عليها كؤوس فارغة، وسار داخل القاعة الكبرى للحفل.

المكان فخم، أضواء الشمعدانات تنعكس على الزجاج، موسيقى خفيفة تعزف من البيانو، وضيوف من الطبقة العليا يتبادلون الأحاديث والابتسامات المزيفة.

عقله كان في وضع الرصد.

كل وجه، كل حركة، كل نظرة، تمر عبر عقله كملف يُحلل في صمت.

وبين الحضور، رأى بيسكو يجلس في الزاوية، يدخن سيجاراً غليظاً كعادته، وعيناه تراقبان من فوق النظارات.

وفي الطابق العلوي، لمح خيالاً خلف الستائر… يعرف أنها بلموت.

هم في مواقعهم.

الهدف لم يصل بعد.

لكن الساعة بدأت…

كان يتحرك بين الطاولات بخفّة، يحمل صينية أنيقة عليها كؤوس الشمبانيا.

عيناه لا تتوقفان عن المسح… كل حركة تُرصد، كل وجه يُفهرس.

اقترب من الزاوية الهادئة قرب المدخل الجانبي، حيث وقفت امرأة بشعر أشقر مجعد، ترتدي فستاناً أسود لامعاً وتضع نظارات شمسية رغم الإضاءة الداخلية.

كريس فينيارد… أو بالأصح: بلموت .

وقف أمامها، وانحنى قليلاً، ناولها الكأس بصوت خافت دون أن يحرك شفتيه كثيراً:

“هل وصل الهدف؟”

أخذت الكأس بهدوء، وضعت أطراف أصابعها عليها بنعومة مصطنعة، ثم همست بصوت خافت:

“لا، ليس بعد…”

رفعت الكأس قليلاً وكأنها تتأمل لونه، ثم أضافت دون أن تنظر إليه:

“لكن سيصل قريبًا… الساعة السادسة بالضبط.”

أومأ بخفة لا يلاحظها أحد، ثم قال بنبرة نادل محترف:

“أتمنى أن تنال إعجابك، آنسة فينيارد.”

ابتسمت بخفة وهي ترفع الكأس إلى شفتيها:

“أذواقكم تحسّنت.”

ثم أشاحت بنظرها نحو المدخل الرئيسي.

هو أكمل طريقه… لكن عقله الآن في سباق مع الوقت.

السادسة… الهدف قادم…

والستار على وشك أن يُرفع.

بينما كان يتنقل بهدوء بين الطاولات، عينه لا تترك أي زاوية في القاعة، لمح حركة غريبة قرب أحد أركان الصالة.

نظرة سريعة كشفت ما لم يكن يتوقع رؤيته في مثل هذه الليلة.

نادلة من الطاقم كانت تقف بانزعاج أمام طفلين…

ولد صغير يرتدي بدلة سوداء، ونظراته حادة رغم براءة ملامحه،

وفتاة بشعر بني ونظارات مستديرة، تحمل برودًا أكبر من سنّها.

اقترب أكثر، سمع النادلة توبّخهما:

“اللعنة عليكم… ماذا تفعلان هنا؟! أين والداكما؟ هل أضعتموهما؟!”

تدخل على الفور، بصوت هادئ لكن يحمل نبرة حاسمة:

“لا داعي، سأعتني بهما… أعرف والديهما.”

التفتت إليه النادلة باستغراب، لكنه لم يمنحها مجالًا للشك.

انحنى قليلًا نحو الطفلين، وقال بابتسامة مصطنعة:

“هيا يا أطفال… دعونا نخرج قليلاً.”

سار بهما خارج القاعة، خطواته لا تثير الشك، ووجهه لا يعبّر عن شيء.

لكن ما إن خرجوا من الباب الخلفي حتى تغيّر كل شيء.

نظر إليهم للحظة… ثم رفع يده وضربهما بخفة على رأسيهما.

“أنتما…”

انخفض إلى مستواهما، عيناه تضيّقان بنظرة باردة.

“أنتما الضيوف الذين يتوقّعهم جين، أليس كذلك؟”

هايبرا ارتجفت قليلاً.

أما كونان، فرمق الأرض بعينين حذرتين، لكن الصمت كان سيد الموقف.

أكمل بصوت منخفض وخطير:

“لقد اختفيتما من عينيّ مرة…

لا تسمحا لنفسيكما بالاختفاء من عيون جين.”

سكت لثوانٍ، ثم قال بهدوء شديد:

“الفرصة القادمة… لن تكون على هذه الشاكلة.”

كان يمكنه أن يرى الرعب في وجهيهما…

لكن ذلك ما كان يبحث عنه تمامًا.

2025/05/25 · 63 مشاهدة · 1300 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025