المكان: شقة رينرو

الزمن: 6:08 صباحًا

رنّ الهاتف.

استيقظت دون تردد.

لم أكن نائمًا بعمق… في مثلي لا ينام فعلاً.

[راي – قناة مشفّرة]

أجبت.

“مالأمر؟”

صوته كان هادئًا… لكنه ثقيل:

“لقد… كُشفت.”

لم أتحرك.

رددت بنفس الهدوء:

“آه… حسنًا.”

لكن صوته لم ينتهِ:

“رينرو…

أكيمي ميانو.”

توقف للحظة، ثم أضاف:

“احمها.”

أنا لم أُجب.

أغلقت الخط.

الصمت عاد.

لكنه كان كافياً.

دخلت البنك ببطاقة هوية مزيفة،

اسم مستعار، توقيع غير معتاد، مظهر شبه رسمي.

لا شيء يلفت النظر… ولا شيء يبعث على الريبة.

الموظفون مشغولون.

العنصران المتخفيان ما زالا في موقعهما.

الأول يراقب الطاولات، والثانية قرب مخرج الطوارئ.

اقتربت من الطاولة الثالثة.

أكيمي ميانو.

كانت تراجع بعض الأوراق.

رفعت رأسها عندما شعرت بوقوفي.

“مرحبًا، كيف يمكنني مساعدتك؟”

وضعت الملف الورقي أمامها بهدوء.

طلب فتح حساب باسم مستعار.

أرقام وهمية، عنوان غير حقيقي.

لكن بين الورقتين الثالثة والرابعة…

أدرجت رسالة صغيرة، مطويّة بدقة، لا تُكشف إلا إن تم فتح كل شيء.

الرسالة مكتوبة بخط الطابعة، مختصرة:

“حمام السيدات – منتزه هايدو

الساعة 12:01”

لا توقيع.

لا شعار.

لا علامة تعريف.

“كل البيانات هنا.

أحتاج فقط تأكيد الأوراق لاحقًا.”

أومأت بابتسامة مهنية.

لم تنظر بعد داخل الملف.

سجّلت بعض الملاحظات على الكمبيوتر.

قلت بهدوء:

“سأعود بعد الظهر… دعيني أعرف إن احتجت توضيحًا.”

غادرت الطاولة.

مررت بجانب الرجل المراقب.

لم يتغير.

لكنه لمحني.

خروجي كان بنفس هدوء دخولي.

الخطوة الأولى انتهت.

الردّ سيبدأ بعد الثانية عشرة.

خرجت من عند طاولة أكيمي بهدوء.

الملف استقر بين يديها، الرسالة في الداخل، والوقت بدأ يتحرك.

اتجهت نحو المخرج.

لا تبديل في وتيرتي.

أنفاسي ثابتة.

عيناي لا تدوران، لكنها تلتقط كل شيء.

الأول.

البدلة الرمادية – لا يزال في الطابور الثاني.

اليد اليمنى لا تتحرك.

العين على طاولة أكيمي.

الثانية.

السترة الوردية – لم تقلب الصفحة.

الأنفاس القصيرة المنتظمة، توتر مدفون.

موقعها قريب من مخرج الطوارئ.

الثالث.

الرجل الخمسيني – عبر بجواري باتجاه الباب الخلفي.

المرة السادسة.

نمط مكرر بدقة. لا مصادفة.

الرابع.

الموظف الذي لا يخدم أحدًا.

بطاقة “مساعد خدمات”.

يتنقل خلف المكاتب، ولا يرد على أحد.

الخامس.

رجل يجلس قرب المدخل، يحمل حقيبة لابتوب.

لم يفتحها منذ جلسته.

ينظر كل 30 ثانية إلى الباب.

وظيفته إنذار أولي.

السادسة.

امرأة مسنة بجانب المصعد.

تبدل يدها على العصا بتوقيت منتظم.

تبدو عشوائية… لكن موقعها يغطي كامل القاعة.

المجموع: ستة.

ثلاثة واضحون.

ثلاثة مموهون.

لكن لا أحد يتصرف بشكل مستقل.

خرجت من الباب.

لم ألتفت.

لكنني سجلت كل شيء.

دخلت قبلها.

الحمام شبه خالٍ، نظيف، الإضاءة طبيعية.

لا توجد كاميرات.

مخرج واحد أمامي، نافذة صغيرة مغلقة في الجدار الخلفي.

اخترت الزاوية اليسرى – الباب الثاني.

أغلقته جزئيًا، دون قفل.

وقفت في الداخل، لا أتحرك، لا أتنفس بعمق.

الهاتف صامت.

الساعة: 12:00 تمامًا.

12:01

خطوات ناعمة.

الصوت يتطابق مع حذاء أكيمي الذي رصدته صباحًا.

فتحت الباب… دخلت.

وقفت أمام المرآة.

أخرجت شيئًا من حقيبتها.

لم أتحرك.

10 ثوانٍ.

ثم خرجت الورقة الصغيرة من الملف.

نظرت إليها، لم تفتحها فورًا.

أخذت نفسًا، دخلت أول كشك على اليسار.

تحركت من مكاني.

خطوت باتجاه الباب الذي أغلقته.

فتحته بهدوء.

لم تصدر صرخة.

هي فقط رفعت عينيها ببطء… ثم جمدت.

قلت بهدوء:

“لم يتبعك أحد.”

أغلقت الباب خلفها.

نظرت إليّ للحظة… كانت مرتبكة، لكنها لم تهرب.

سألتها مباشرة:

“ما هي مهمتك؟”

ترددت قليلاً… ثم أجابت:

“سرقة البنك المركزي.”

الصوت ضعيف.

لكن العبارة واضحة.

سألتها:

“متى؟”

قالت:

“بعد سنتين.”

توقيت غير طبيعي…

عمليات بهذا الحجم لا تُمنح الوقت إلا إن كانت لها أبعاد سياسية، أو مالية دولية.

ثم نظرت إليّ، وكأنها تنتظر شيئًا.

قالت بصوت مكسور:

“لقد وعدوني…

إن أنهيت العملية، سأخرج أنا وأختي شيهو.”

نبرة مخدوعة.

شخص تم استغلاله تحت غطاء الأمل.

أخرجت من جيبي هاتفًا صغيرًا.

موديل قديم، بدون كاميرا، بدون اتصال بيانات.

ناولته لها:

“امسكي هذا.

رقم واحد فقط محفوظ بداخله.”

نظرت إليه، ثم إليّ.

أضفت:

“لا تتواصلي مع أحد.

خاصةً… راي أكاي شويتشي.”

أومأت بصمت.

يديها ارتجفتا قليلًا وهي تقبض على الهاتف.

ثم قالت همسًا:

“هل سأموت؟”

نظرت إليها،

قلت دون ابتسامة، دون عطف:

“ليس… تحت حمايتي.”

أخفضت عينيها.

غادرت ببطء، ولم تنظر خلفها.

وأنا بقيت هناك…

أفكر في كل من ينتظرها قبل سنتين.

—-

المكان: جامعة طوكيو – الحرم الجامعي الرئيسي

الزمن: 1:14 ظهرًا

دخلت من البوابة الشمالية.

الطلبة يخرجون من المحاضرات،

أحاديث متقطعة، ضحكات، أوراق في مهب الريح.

الجو هنا يبدو طبيعيًا…

لكن الطبيعي ليس غطاءً كافيًا.

هو تمويه.

مررت بالممر الأول،

طريق الأدب الإنجليزي على يساري.

أخرجت بطاقة الطالب من جيبي الأمامي،

مرّرت بها عبر بوابة المبنى الثالث.

نفس الإجراء المعتاد.

السكرتيرة ألقت التحية.

أومأت لها بصمت.

الوجه الجامعي لكوربا رين…

يجب أن يبقى على قيد الحياة.

صعدت الدرج.

المحاضرة التالية في قاعة B207.

لكن لا نية لي في الحضور.

أخذت مقعدًا في الطابق الثاني، على الشرفة الخارجية.

من هناك، أرى المباني كلها…

وأراقب من يراقبني.

أخرجت الهاتف الآخر.

الشاشة سوداء.

لا إشعارات.

لكن هذا لا يعني أن كل شيء ساكن.

دخلت القاعة.

الجو هادئ،

الطلاب يتحدثون بصوت خافت،

الهواء ثقيل من الترقب.

جلست في مقعدي الثالث على اليسار،

نفس المقعد الذي استخدمته في كل اختبار سابق.

المراقب يوزّع الأوراق.

نظراته تمشي فوق الجميع…

لكن لا تستقر على أحد.

وصلت ورقتي.

وضعتها أمامي.

امتحان في اللغة الإنجليزية – تحليل نص أدبي.

قلبت الصفحة.

الأسئلة عادية.

سؤال 1: تحليل المعنى الرمزي في مقطع من “Great Expectations”.

سؤال 2: بناء الجملة في مقطع شكسبيري.

سؤال 3: كتابة تفسير أدبي لفقرة سردية حديثة.

أخرجت قلمي.

الكتابة تبدأ.

يدي تتحرك بسرعة،

العقل منقسم بين النص، والمراقبة، والوقت.

الساعة 2:08

أتممت نصف الورقة.

2:17

انتهيت.

قمت بهدوء.

تقدمت نحو المنصة،

وضعت الورقة على الطاولة،

نظرت للمراقب.

“انتهيت.”

أومأ دون تعليق.

خرجت.

لم يكن الاختبار صعبًا…

ولا الحياة التي تحيط به أسهل.

خرجتُ من قاعة الامتحان،

نسيم خفيف يمرّ بين الأشجار،

والطلاب يتفرّقون في الباحة يتبادلون الأحاديث والنكات.

أكملتُ سيري نحو الممر الحجري،

غير أنني سمعت صوتًا يناديني من الخلف.

“كوربا رين!”

التفتُ.

ثلاث فتيات كنّ يتقدّمن نحوي.

إحداهن ترتدي نظّارة، الثانية تحمل كتابًا، والثالثة تبتسم بثقة.

أوقفنني بنبرة ودّية.

“أأنت كوربا رين؟ الطالب الذي يتحدث عنه الجميع؟”

أومأتُ برأسي، دون أن أتكلّم.

إحداهن سألت:

“كم عمرك؟”

أجبتُ بهدوء:

“سأبلغ العشرين… بعد شهر.”

اندهشن.

“في العشرين؟ وأنت في سنّة التخرّج؟”

قلت:

“نعم.”

نظرات الدهشة ارتسمت على وجوههن،

وتبادلن الهمسات بإعجاب ظاهر.

إحداهن قالت:

“إنه أصغر منّا، لكنه يتخرّج قبلنا!”

ضحكت الأخرى:

“ويُقال إنّه يجيد النقد الأدبي أكثر من أستاذ القسم!”

ثم تقدّمت إحداهن بخطوة،

وقالت بنبرة أقرب للمزاح:

“ما رأيك أن تنضمّ إلينا يومًا؟ جلسة أدب وشاي؟”

أجبت، بنبرة ثابتة:

“أقدّر دعوتكن، لكن وقتي محدود، وعليّ الانصراف.”

أشرتُ إلى ساعتي،

ثم أومأت لهنّ تحية خفيفة،

وغادرت دون أن ألتفت.

الاختلاط سهل.

لكن الحفاظ على المسافة… أكثر فائدة.

جلست في الزاوية القصوى من المقصف.

لا أحد على الطاولة غيري.

طبق بسيط أمامي: أرز، وبعض الخضار، وعبوة ماء بارد.

لم آكل لأشبع،

بل لأعيد توازنًا داخليًا يحتاج إلى شيء مألوف.

مرّت دقائق قليلة،

ثم اهتز هاتفي على الطاولة.

[راي – قناة مشفّرة]

أجبت بهدوء.

“نعم؟”

جاء صوته منخفضًا، لكنه ثابت:

“نجحت بالهروب.

غيرت الموقع، ولن يتمكنوا من تتبعي حاليًا.”

لم أعلّق.

“رينرو…”

توقف، ثم أكمل:

“أطلب منك من جديد…

أن تحمي أكيمي ميانو.”

صمتّ.

وضعت الملعقة جانبًا.

نظرت إلى نقطة ثابتة في الطاولة، ثم قلت:

“قُلتَ هذا سابقًا.”

ردّ بهدوء:

“وكرّرته لأنني لا أملك إلا ذلك.”

لم أُغلق الخط.

لكنني لم أُجب أيضًا.

في عالم لا يعرف الوضوح…

كان الطلب واضحًا بما يكفي.

أعدت الهاتف إلى جيبي…

وأكملت تناول طعامي…

ببطء.

2025/05/22 · 98 مشاهدة · 1179 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025