الفصل السادس: احتفال الميلاد
لم يكن ليو تشانغقونغ يعلم ما الذي حدث بالضبط. لماذا أصبحت الثعلبة الصغيرة مذعورة منه إلى هذا الحد بعد أن خرج ليغسل الأطباق؟ وكأنه قد تحوّل إلى وحش مفترس... نعم، وحش مفترس يأكل الثعالب!
في الأيام التالية، كلما رأت الثعلبة الصغيرة ليو تشانغقونغ، كانت ترتعد كالجرذ أمام قط، منكمشة في زاوية، لا تجرؤ حتى على النظر إليه. أما هو، فظنّ أنها مجرد وافدة جديدة، لم تعتد على المكان بعد، وبما أنه غريب عنها، فإن الحذر منها طبيعي.
رغم الخوف، كانت الثعلبة الصغيرة تشعر بسعادة غامرة في الدكان.
كانت سعيدة لأنها باتت قريبة من السيد العظيم، تشاهده وهو يرسم ويكتب في كل حين. خلال تلك الأيام، تعافت جراحها وتقدّم مستوى زراعتها بشكل ملحوظ. وبالأخص قلب الداو لديها، الذي شهد تحسناً مذهلاً، كما لو أن وجود هذا الرجل بحد ذاته يوجهها في طريق الزراعة.
لكن، مع هذه الفرصة العظيمة، كانت تكمن أيضًا المخاطر. فبعض الكلمات التي يكتبها السيد قد تحتوي على أسرار مكنونة، وربما حتى أخطار لا تُحتمل. المرة الماضية، حين كتب تقنية السيف، كانت حروفه تحمل معنى حقيقياً كاد أن يحطم قلبها الداووي. ولا تزال خائفة من تكرار ذلك المشهد.
في تلك الأيام، ازداد عدد الأضواء المتطايرة فوق جبل تايين، وامتلأ سوق المدينة بالزوار القادمين من أنحاء مملكة شيا العظمى، لهجاتهم متنوعة، تدل على تنوّع مناطقهم.
أما دكان ليو تشانغقونغ الصغير، فظل على حاله—لا يزدهر ولا يركد. ضجيج العالم كان من نصيب الآخرين، لا يعنيه بشيء. وظل هو يزكّي جسده وروحه كل يوم، يرسم ويمارس فن الخط.
مرّ الوقت بهدوء على هذا النحو. عاشت كل من سو يوي وليو تشانغقونغ وفق نمطهما الهادئ.
"أقطف الأقحوان من وراء السياج الشرقي، وأنظر للجبال بطمأنينة."
قال ليو تشانغقونغ وهو يتأمل بخطّه الذي انتهى لتوّه من كتابته:
"ربما كان تاو يوانمينغ يشعر بالمثل... نظرة هادئة للحياة."
لكن الثعلبة الصغيرة التي كانت تجثو بجانبه، كان لها رأي آخر. في الكلمة الأخيرة "الجبل"، حين أنهى كتابتها، رأت كأن جبل تايين الشاهق انبعث منها وضغط على صدرها، حتى كاد أن يخنقها.
وما إن بدأ أنفاسها تتسارع وكادت تُسحق، حتى وضع ليو تشانغقونغ فرشاته جانباً.
"هذا خطير جدًا... كاد قلبي الداووي أن يتحطم مجددًا. لا شك أن هذه الفرصة العظمى ليست سهلة المنال. أحيانًا أفكر في الرحيل، لكن لا أستطيع. زراعتي تتقدم بلا عقبات، ووجود هذا السيد الجليل يجعل أمري ليس بيدي!"
هكذا حدّثت الثعلبة نفسها.
كان ليو تشانغقونغ يتأمل خطّه بإعجاب، فقد عبّر عن شعر تاو يوانمينغ بصدق وجمال، ببساطته وروحه الحرة.
وفي تلك اللحظة...
بووم!
رفع بصره ليرى قمة جبل تايين وقد أضاءتها أضواء بنفسجية وحمراء.
الضباب الكثيف، الذي كان يغطي السماء طوال العام، تلاشى فجأة، كاشفًا عن طائفة الزراعة العريقة التي تتكون من العديد من القصور: طائفة القمر العظيم.
وعند سفح الجبل، رفع الناس أعينهم للسماء.
انبثقت آلاف الأضواء الذهبية من القصر، تنبعث منها هالة خالدة وساحرة.
من كان يعرف السبب، أدرك أن هذه هي وليمة عيد الميلاد الألفي للمعلم الكبير ذو الروح الوليدة، الخالد "تشو تشاو" من طائفة القمر العظيم.
ساحة طائفة القمر العظيم
"زعيم طائفة الجبال الخمسة، "يوي فنغ"، حضر مع أتباعه لتهنئة الجدّ الأعلى. وقد قدّم هدية مكونة من: كنزين سحريين من الدرجة المتوسطة، عشرة من الدرجة الدنيا، وثلاثين من الدرجة العليا..."
"الناسك "هوانغ شان"، وهو مزارع جوّال، حضر مع تلاميذه لتهنئة الجد الأعلى، وقدّم كنوزاً سحرية..."
وبينما كان التلاميذ المرحبون يهتفون، بدأ كبار المزارعين يدخلون القاعة الرئيسية تباعًا. سواء كانوا جوّالين أو من طوائف، جميعهم من الشخصيات اللامعة. فمن يدخل هذه القاعة لا يكون إلا في مرحلة التأسيس الروحي أو أعلى.
وفي صدر القاعة، جلس شيخ عجوز برداء أسود على الكرسي الأوسط، ينظر للحضور بوجه لا يُقرأ.
كانت هيبته تخطف الأنظار، كالقمر وسط سماء حالكة. مهما لمع باقي النجوم، لا يجرؤون على مجاراته.
ذلك هو المعلم تشو تشاو، سيد من مرحلة الروح الوليدة، الشخصية الأبرز في هذا الحفل الأسطوري.
نظر إلى الحضور بصمت. لم يظهر على وجهه لا سرور ولا غضب.
"المعلم "هوانغ تسي" من طائفة المياه الغامضة، حضر مع تلميذه لتهنئة الجدّ الأعلى!"
عندها ارتفع صوت التلاميذ المرحبين فجأة، في إشارة لوصول ضيفٍ فريد.
ارتفعت الأنظار نحو الباب.
فلقب "المعلم" لا يُمنح إلا لمن بلغوا مرحلة الروح الوليدة. من لم يبلغها وادّعى ذلك، سيكون أضحوكة—أو حتى قتيلًا.
من وجوه الحاضرين، بدا أن هذا "هوانغ تسي" ذو مكانة لا تقل عن "تشو تشاو" الجالس في المقدمة.
"هاهاها..."
وقبل أن يروه، سمعوا ضحكة صاخبة تتردد في القاعة.
ثم دخل رجلان—أحدهما شيخ قصير القامة، ذو لحية طويلة، يبدو عليه النشاط. والآخر شاب وسيم ذو هيبة، واضح أنه موهوب بشكل استثنائي.
قال الشيخ:
"تشو تشاو! صديق قديم منذ مئات السنين جاءك اليوم! هيا، أليس من الواجب أن تستقبله؟"
فأجابه تشو تشاو بنبرة باردة:
"جئت لتهنئتي، أليس من المفترض أن تجلب هدية؟"
لم يُجب هوانغ تسي، بل مد يده وأخرج سوارًا تخزينياً، أخرج منه صندوقًا خشبيًا. وما إن فتحه حتى ظهر داخله حبّة صفراء.
"حبّة الخلود؟!"
هتف بعض من رأوها من قبل بدهشة.
حين وقعت عين "تشو تشاو" على الحبة، نهض من مقعده، وتنهّد ببرود:
"تبذيرك لا حدود له!"
ضحك "هوانغ تسي" وقال:
"نحن أصدقاء قدامى. هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي ونراك تصعد للخلود قريباً؟"
ساد الصمت في القاعة. الحديث عن "الخلود" في يوم ميلاد أحد كبار المزارعين قد يكون مغامرة غير محمودة العواقب.
لكن "تشو تشاو" صمت طويلاً، ثم التفت لتلميذه وقال:
"أعطِ مقاعد للمعلم "هوانغ تسي" وتلميذه."
"أمرك!"
فأسرع أحد التلاميذ لترتيب المقاعد.
جلس "هوانغ تسي" بجانب صديقه، وقد خفتت ابتسامته، وبدا على وجهه شيء من الحزن، لا يمكن وصفه. جلس بصمت، متنهداً...