السنة: 9985 من العصر الرابع – إمبراطورية فاليريا – بارونية داركلين

عمر زيريوس: سنة ونصف

خطوات نحو الفهم

بدا كل شيء هادئًا في بارونية داركلين، كما لو أن الحياة قررت أن تُمهل الجميع عامًا آخر من السلام قبل أن تبدأ في الكشف عن أسرارها.

كان زيريوس قد بلغ عامًا ونصف، ولم يعُد مجرد طفل يتعلّم كيف يسير، بل أصبح يستكشف كيف يفهم.

لم يكن يتكلم كثيرًا، لكن كلماته، حين تخرج، تكون في محلّها. يقول "نور" وهو يشير إلى النافذة، و"كبير" وهو يلمس السيف المعلّق على جدار القاعة. وعندما يرى والدته حزينة، يربّت على يدها ويقول: "ماما… لا."

قالت روزاليا ذات صباح وهي تنظر إلى ابنها يصفّ الحصى في خط مستقيم:

"إنه لا يلعب فحسب… إنه يراقب العالم."

القلعة في عينيه

كانت أروقة القلعة باردة في الشتاء، لكنها بدت دافئة تحت خطوات زيريوس الصغيرة، وهو يمشي بجانب إليسا عبر الحجر المصقول.

كل شيء كان أكبر منه: السلالم، الأبواب، المقاعد العالية، حتى نباح الكلاب بدا له كزئير تنين.

لكنه لم يظهر خوفًا، بل تساؤلًا… وعيناه تدوران بين الجدران والأشخاص كمن يبحث عن قصة لا تُروى له.

قال أحد الجنود ضاحكًا:

"سيدنا الصغير لا يهاب… إنه يتقدم نحونا كما يفعل القادة!"

الحديقة

خارج القلعة، في الحديقة التي تعتني بها والدته بنفسها، جلس زيريوس في الظل، يلمس أوراق النعناع بأصابعه الصغيرة.

تتبّع بعينيه حركة نحلةٍ تحلّق، ثم ابتسم، وكأنه فهم أن الطيران ليس لمن له جناحان فقط… بل لمن يتأمّل كفاية.

جاءت روزاليا وجلست بجانبه، وضعت زهرة بين يديه وسألته:

"ما لونها؟"

فأجاب:

"جميل."

ضحكت:

"هذا ليس لونًا يا صغيري!"

لكنه لم يجب، فقط أعاد النظر للزهرة وهمس:

"جميل…"

مشهد مسائي

عند الغروب، كانت إليسا تجلس على الأرض، وتروي له حكاية فارس حزين فقد حصانه في المعركة.

في منتصف القصة، توقفت لتُشعل شمعة، لكنه أمسك بكمّ ثوبها، وهمس:

"كملّي…"

فابتسمت، وأكملت الحكاية، بينما عينيه تلمعان بسؤال لا يُقال.

بدأت الكلمات تتحوّل إلى جُمل…

والجُمل إلى أسئلة.

لم يكن زيريوس كغيره من الأطفال ممن يكررون الكلام عشوائيًا أو يثرثرون بلا وجهة. بل كان يراقب أولًا، يصمت طويلًا، ثم يُلقي بسؤال… سؤالٍ يُصيب في صميم اللحظة.

ذات صباحٍ رمادي، بينما كانت الخادمة الشابة تُكنس مدخل الصالة، وقف الطفل خلفها وسأل:

"لماذا تنظّفين إن كان الغبار يعود؟"

تجمّدت الفتاة، ثم التفتت إليه بارتباك:

"لأن البارون لا يحب الفوضى يا سيدي الصغير."

فأمال رأسه وقال بهدوء:

"إذن نحن لا نُنظّف لأننا نحب النظافة، بل لأننا نخاف البارون؟"

تلعثمت الخادمة، ثم ضحكت وهي تُكمل كنس الأرض:

"ستكون حكيمًا، سيدي… إن عشت طويلًا."

بين المربّية والأم

كانت إليسا تُحضّر له بعض الحساء، عندما سألها:

"لماذا السماء زرقاء؟"

نظرت إليه وهي تحاول أن تُدرك ما سمعته:

"ماذا قلت؟"

فأعاد السؤال، بإصرار طفولي لا يخلو من جديّة:

"السماء… لماذا لونها أزرق؟"

اقتربت روزاليا التي سمعت السؤال من خلف الباب، وجلست على الأرض بجانبه، ثم قالت:

"لأنها مرآة البحر يا صغيري."

فأجاب:

"لكن البحر أزرق لأنه يعكس السماء… أليس كذلك؟"

تبادلت المرأتان النظرات، وأجابت إليسا بسرعة:

"أحيانًا تكون الإجابة بسيطة يا زيريوس، لا تُتعب نفسك."

لكنه لم يُعلّق. فقط نظر إلى الأعلى، حيث النافذة، وهمس بصوت خافت:

"اللون ليس هو الجواب…"

مفاهيم تنضج مبكرًا

في بعض الأحيان، بدا وكأنه يحاول فهم شيء لا يستطيع التعبير عنه.

كان يُطيل النظر في وجوه الآخرين، وكأنّه يقرأ ما وراء ابتسامتهم أو غضبهم.

قال الحارس العجوز، وهو يمسح العرق عن جبينه بعد تدريب يومي:

"سيدنا الصغير ينظر إليك كما ينظر القاضي للمتّهم."

ضحك أحد الجنود:

"بل كما ينظر النبي للخطاة!"

ضحك الجميع، إلا زيريوس…

الذي نظر إليهم من نافذة الممر العالي، ثم همس:

"لم أكن أحكم… فقط أسمع الصمت."

أولى الحكايات المعكوسة

في إحدى الليالي، روَت له روزاليا قصة فارس شجاع أنقذ أميرة من تنين، وانتهت القصة بانتصار الفارس.

نظر إليها وقال:

"لكن التنين لم يكن شريرًا… كان يحمي أرضه فقط."

شهقت الأم، ثم ضحكت:

"وهل قرأت القصة من جهة التنين؟"

فقال بهدوء:

"أحيانًا لا يكون الشرير… شريرًا."

ومنذ ذلك اليوم، بدأت روزاليا تخشى أن تحكي له القصص بطريقة تقليدية.

فكل نهاية سعيدة كانت تُقابل بنظرة سؤال من ابنها… كأنّه يسأل: "على حساب من كانت هذه السعادة؟"

المرايا والنفس

في إحدى زوايا القلعة، وُضعت مرآة فضية قديمة. كان يقف أمامها كثيرًا.

يرفع يده، يبتسم، يعبس، ثم يسأل:

"هذا أنا؟ أم هذا هو ما يراني الناس عليه؟"

سألته المربية:

"هل تحب صورتك؟"

فقال:

"أنا لا أفهمها بعد."

في عالمه الصغير، لم تكن القلعة مكانًا للحماية فقط، بل عالمًا حيًا يتنفس ويُخفي أسرارًا خلف كل باب وممر.

كان زيريوس يستيقظ مبكرًا على صوت قرع السيوف في الساحة الخارجية، حيث يتدرّب الحرس تحت إشراف القائد "أولفين"، رجلٌ قوي البنية، ذو لحية رمادية وعينٍ واحدة فقط.

أصرّ الطفل مرة أن يُمسك بسيف خشبي، فسُمح له بذلك.

تقدّم بتوازن خفيف، ووقف على بعد خطوات من الجنود المتدرّبين، ثم رفع السيف بعفوية فوق رأسه.

ضحك أولفين وقال:

"حتى الآن، أفضل وضعية هجوم رأيتها اليوم."

ضحك الجنود، لكنهم ألقوا نظرات إعجاب خفية.

عالمه الصغير

خصصت له والدته غرفة في الجانب الجنوبي من القلعة، تُعرف الآن بين الخدم باسم "عش الأمير".

امتلأت الغرفة بألعابٍ خشبية، مجسمات لفرسان، عربات صغيرة، أحصنة ذات عجلات، وألواح رسم مغطاة بألوان نباتية.

لكن زيريوس لم يكن يبعثر ما حوله.

بل كان يرصّ الجنود في صفوف، ويضع الحصان الخشبي في المقدمة، وكأنّه يُعيد تشكيل معركة لم يقرأها بعد.

ذات مساء، دخلت روزاليا لتجده قد أحاط مجسمًا صغيرًا لامرأة بخمسة جنودٍ وقطعة خشب كتب عليها "منزل".

سألته:

"ماذا تفعل؟"

فقال:

"أحميها…"

ثم أضاف، دون أن ينظر إليها:

"الخطر في الخارج، لا بالداخل."

صمتت الأم. في عينيه شيء لا يشبه براءة الأطفال… بل يشبه قلق الحكماء.

لقاء مع الحصان الكبير

ذات ظهيرة، اقترب زيريوس من الإسطبل، حيث كان الحصان الأسود الضخم "راغنار" يُسرّح شعره خادم الخيول العجوز.

اقترب الطفل من البوابة، ومدّ يده الصغيرة.

صاح العجوز:

"إياك يا صغيري! إنه وحشٌ لا يثق بأحد!"

لكن الحصان توقّف عن الحركة، ونظر إلى زيريوس بعينين واسعتين، ثم تقدّم ببطء، ووضع أنفه قرب كفه الصغير.

وقف الجميع في ذهول.

قال العجوز:

"بحق الآلهة… لم يفعل هذا مع البارون نفسه."

فقال أحد الخدم:

"ربما لأن الطفل لا يحاول امتطاءه… فقط يُحيّيه."

ومنذ ذلك اليوم، بات الحصان ينهق كلما مرّ الطفل قرب الإسطبل.

مغامرات خفيفة

في الحديقة الخلفية، وجد زيريوس فتحة صغيرة بين الجدارين.

دخل زاحفًا، ليجد نفسه في فناء مهجور، تتدلّى فيه شجرة تينٍ قديمة.

أخذ يتسلّق الأغصان حتى كاد يسقط، لكن أحد الحراس أمسك به قبل أن يهوى.

قال له:

"سيدي الصغير… هذا ليس مكانًا للعب."

فأجاب زيريوس:

"لكنني لم ألعب… كنت أتسلق لأرى الأعلى."

ثم نظر نحو السماء وقال:

"كلما صعدتُ، بدت الأرض أصغر…"

الأسرار الصغيرة

في إحدى المرات، دخل غرفة الخزانة القديمة، واكتشف درجًا مخفيًا في الجدار.

داخله كتاب مغطى بالغبار، لا يحمل عنوانًا.

لم يعرف كيف يقرأه، لكنه وضعه تحت وسادته، وكأنه يعلم أن وقته لم يحن بعد.

رغم صغر سنه، لم تكن مشاعر زيريوس سطحية أو متقلبة كما هي عادة الأطفال.

كان يُظهر الحب والحنان بطريقة تُربك الكبار، وتُدهشهم.

كانت روزاليا تغفو أحيانًا على كرسيها قرب المدفأة. وعوض أن يوقظها، يجلب لها غطاءً صغيرًا من غرفته، ويضعه على قدميها.

ثم يجلس بصمت، يُراقب لهب النار، كأن نومها مسؤوليته.

رآه ماركوس ذات مساء، فابتسم وقال:

"لو كنت أكبر قليلًا… لقلت إنك تُحبها أكثر مما نحبها نحن."

فقال زيريوس بصوتٍ خافت:

"إنها تتعب… أكثر مما يجب."

أولى الخيبات

في أحد الأيام، أُصيب جرو صغير في القلعة بكسر في ساقه.

ركض زيريوس إليه، وجلس قربه، وهو يبكي دون صوت.

رفض أن يُغادر المكان حتى بعد قدوم الطبيب.

قال الحارس:

"سيدي الصغير… الجرو ليس لك."

فقال زيريوس:

"الألم لا يخص أحدًا… إنه يوجع الكل."

ومنذ ذلك اليوم، لم يُرَ الجرو إلا قرب زيريوس، يتبعه في كل خطواته، بساق ملفوفة بالقماش.

إدراك الصدق والكذب

في يوم ماطر، دخلت خادمة جديدة إلى الجناح الداخلي، وسألت زيريوس:

"هل أنت طفل مثل الآخرين؟"

فأجابها ببساطة:

"أنا أنا… والآخرون هم الآخرون."

ضحكت الفتاة وقالت:

"يبدو أنك ذكي جدًا."

لكن الطفل نظر إليها طويلًا، ثم قال:

"أنتِ لم تضحكي… فمك فقط فعل."

سكتت الخادمة، وخرجت مرتبكة.

أما إليسا، فسمعت الحوار وهمست:

"إنه لا يرى الوجوه… بل ما خلفها."

قصة البُكاء

أحضرت المربية كتابًا يحكي قصة عن فتى فقير يبيع الخشب، ويواجه الصعاب ليطعم والدته.

في منتصف القصة، سأل زيريوس:

"لماذا لا يساعده الناس؟"

أجابت المربية:

"لأنهم لا يعرفون عنه شيئًا."

فهز رأسه وقال:

"بل لأنهم لا ينظرون جيدًا."

ثم سأل:

"هل النهاية حزينة؟"

قالت:

"ربما…"

فأغلق الكتاب، وقال:

"إذن… لا أريد سماعها."

فوق الأسطح

ذات مساء، تسلّل إلى سطح الجناح الجنوبي، وجلس قرب الشرفة العالية.

نظر إلى الأفق الملبّد بالغيوم، وسأل نفسه بصوتٍ مسموع:

"هل سأبقى هكذا… صغيرًا إلى الأبد؟"

لم يُجبه أحد.

لكن الريح حرّكت شعره… وكأنها قالت: لا.

مشاعر بريئة

رغم صغر سنه، لم تكن مشاعر زيريوس سطحية أو متقلبة كما هي عادة الأطفال.

كان يُظهر الحب والحنان بطريقة تُربك الكبار، وتُدهشهم.

كانت روزاليا تغفو أحيانًا على كرسيها قرب المدفأة. وعوض أن يوقظها، يجلب لها غطاءً صغيرًا من غرفته، ويضعه على قدميها.

ثم يجلس بصمت، يُراقب لهب النار، كأن نومها مسؤوليته.

رآه ماركوس ذات مساء، فابتسم وقال:

"لو كنت أكبر قليلًا… لقلت إنك تُحبها أكثر مما نحبها نحن."

فقال زيريوس بصوتٍ خافت:

"إنها تتعب… أكثر مما يجب."

كان زيريوس يملك قدرة غريبة على تمييز الشخصيات حوله بسرعة. لا يعتمد على المظهر أو اللهجة، بل على شيء خفي، كأنه يُصغي إلى نغمة خاصة في كل إنسان.

إليسا – المربية

امرأة ثلاثينية، ذات شعر كستنائي مرفوع دائمًا، وعيون بنية دافئة.

كانت صبورة معه، وتُحب تعليمه القصص والأغاني الشعبية القديمة.

زيريوس لم يُنادها باسمها قط، بل اكتفى بـ"أنتِ".

قالت ذات مرة:

"لماذا لا تناديني؟"

فأجاب:

"الاسم لا يهم… أنتِ أنتِ."

ومن يومها، صار الاسم لقب فخر لها.

أولفين – قائد الحرس

محارب مخضرم بعين واحدة، وبندبة قديمة على خده الأيسر.

كان يمضي أغلب وقته في تدريب الحرس، لكنه يبتسم تلقائيًا كلما رأى زيريوس.

قال لجنوده:

"الصغير ذاك… إن نجا، فسيكون سيد الجميع."

ورغم قسوته، كان يُرسل قطعة لحم مشوية إلى المطبخ كل أسبوع، ويقول:

"للصغير… ليقوى على مشاكلكم."

الجرو – "رامي"

ذلك الجرو المصاب في ساقه أصبح رفيقًا دائمًا لزيريوس، حتى أنه كان ينام قرب باب غرفته.

في أحد الأيام، أراد أحد الخدم طرده من الحديقة، فوقف الطفل وقال:

"إن خرج… خرجت أنا."

ومنذ ذلك الحين، لم يجرؤ أحد على الاقتراب من "رامي" بسوء.

الطاهية العجوز – "ماريا"

امرأة ممتلئة الجسد، ذات صوت عالٍ وضحكة مجلجلة.

لم تكن تحب الأطفال، لكنها قالت عن زيريوس:

"هذا ليس طفلًا… هذا فتى صغير يحمل قلبًا كبيرًا."

كانت تضع له طبقًا جانبيًا مليئًا بالفواكه دون أن يُطلب منها، وتقول:

"العقل لا يعمل إلا إذا أكل التفاح، أليس كذلك يا سيدي الفيلسوف؟"

الجد الأعلى – داريوس داركلين

رجل في نهاية عقده التاسع، لا يُغادر جناحه كثيرًا، لكنه طلب رؤية الطفل بعد أن سمع الحكايات عنه.

عندما دخل زيريوس الغرفة، وقف الجد رغم ضعفه، وحدّق فيه طويلًا قبل أن يقول:

"تلك العينان… ليستا جديدتين على هذا العالم."

فقال زيريوس:

"ولا أنتَ كذلك… جدّي."

ضحك الشيخ حتى دمعت عيناه، ثم أمر بإرسال لعبته القديمة له: سيف خشبي محفور عليه شعار العائلة.

قال:

"لن يحمل هذا السيف من لا يستحقه."

دفء في الأرجاء

لم يكن زيريوس محاطًا بحب عادي…

كان يُعامل كما يُعامل ضوء شمس ناعم في قلعة اعتادت البرد.

الخدم، الحرس، الطهاة، المربيات… كلهم شعروا أن وجوده يُخفّف ثقل الأيام.

ما قبل الصحوة

عند مشارف عامه الثالث، تغيّرت وتيرة الأيام في قلعة داركلين.

لم يعد زيريوس يكتفي بالمراقبة فقط، بل صار يسأل…

أسئلة دقيقة، لا تشبه سنّه، تزرع الحيرة فيمن حوله.

"لماذا لا يدخل الحراس من البوابة الغربية؟"

"لماذا لا يُضيئون المشاعل في الممرّ الحجري القديم؟"

"لماذا الجد الأعلى لا يخرج؟ هل يخاف شيئًا؟"

"من يضع القوانين؟ ومن يراقب من؟"

روزاليا ضحكت في البداية، لكنها بدأت تُخفي قلقها بين السطور.

أما ماركوس، فصار يتأمل ابنه طويلًا قبل النوم، كما لو كان يُحاول اكتشاف خريطة غير مرئية مرسومة على جبينه.

ما بين الحلم واليقظة

في الليلة الأخيرة من عامه الثاني، استيقظ زيريوس في منتصف الليل دون سبب.

جلس في سريره بهدوء… لا خوف في عينيه، بل يقظة عميقة.

رأى القمر يتسلل من النافذة، نوره ينعكس على أرضية الحجر الأبيض.

ثم سمع صوتًا داخليًا… لا كلمات، بل شعور خفي:

"اقترب الوقت."

رفع رأسه، وكأنه يسمع من بعيد طبولًا بطيئة… قادمة من أعماق روحه.

النظرة الأخيرة للطفولة

في اليوم التالي، زار الإسطبل وحده.

وقف أمام الحصان "راغنار"، ومد يده كعادته.

قال للحيوان الضخم:

"أشعر أن شيئًا قادم… شيء لن يُفهم بسهولة."

نَهَق الحصان بصوتٍ خافت، ثم اقترب منه أكثر، كأنه يواسيه.

في غرفته تلك الليلة، لم ينم زيريوس فورًا.

أمسك بالكتاب القديم المخفي في الدرج، وفتحه دون أن يفهم ما فيه، لكنه تمسّك به كأن فيه وعدًا.

همس لنفسه:

"عندما أُكمل الثالثة… سأبدأ."

ثم أغمض عينيه ببطء، دون أن يعلم أن تلك الليلة، ستكون آخر ليلة في عالم الطفولة البريء.

2025/07/24 · 15 مشاهدة · 2007 كلمة
Farajalfa
نادي الروايات - 2025