السنة: 9989 من العصر الرابع – إمبراطورية فاليريا – بارونية داركلين

عمر زيريوس: خمس سنوات

---

البداية الهادئة

لم تكن السنوات التي مضت من عمر زيريوس سوى مراحل هادئة من التشكّل، كأنما كان العالم يُمهّد له الطريق بهدوء محسوب.

في كل يوم كان يتعلّم شيئًا جديدًا: أسماء النباتات، اتجاه الرياح، كيف تُصنع الخبزات داخل المطبخ، وأين تذهب النفايات بعد تنظيف القلعة.

لكن في سن الخامسة، قرر والده، البارون ماركوس، أن الوقت قد حان ليبدأ الوريث تعليمه الحقيقي.

وقف البارون في القاعة الكبرى، مرتديًا عباءته الرمادية الثقيلة، وقال بحزم:

– "لقد حان الوقت ليفهم وريث داركلين العالم الذي سيحكمه."

---

النداء الأول: معلم التاريخ

في صباح اليوم التالي، دخل القلعة رجل طويل القامة، أشيب الشعر، يحمل حقيبة من الجلد العتيق.

انحنى أمام البارون، ثم أمام زيريوس.

– "اسمي أورن غراي، أستاذ التاريخ الإمبراطوري."

كان صوته عميقًا ونبرته صارمة، لكن عينيه كانتا تلمعان بالحكمة.

– "سأعلمك يا فتى، ليس كيف تقرأ الكتب فقط، بل كيف تفهم الروايات، وتكتشف الأكاذيب في ما يُقال عن الملوك والحروب."

جلس زيريوس أمامه، يحدّق في خريطة قديمة رسمت العالم كما كان قبل آلاف السنين.

قال أورن:

– "العالم يُروى من أفواه المنتصرين. وأنا… سأريك الوجه الآخر للتاريخ."

---

النداء الثاني: معلم النظام النبيل

بعد أيام، جاءت عربة رسمية تحمل سيدة في أواخر الأربعينات من عمرها. كانت ترتدي قبعة مزينة بريش أسود، وتتنقل بثقة من يعرف كيف تُدار الممالك.

قدّمت نفسها:

– "أنا الليدي فيرينا من بيت سيلورين. كنت مستشارة في البلاط الملكي، ومُدرّسة لبنات النبلاء في العاصمة."

نظرت إلى زيريوس بعينين فاحصتين، ثم قالت:

– "ستتعلم مني الفروق بين الدوق والفيكونت، وبين الحاكم التابع والحاكم المنيع، وستفهم لماذا لا يبتسم الملك إلا نادرًا."

وضعت أمامه شجرة نسب، وقالت:

– "كل سلالة تحمل خطاياها في دمها… ومهمتك أن تعرفها قبل أن تعقد تحالفًا."

---

النداء الثالث: مدرب القتال

لم يكن الرجل الثالث مهذب المظهر مثل الباقين، بل كان ذا جسد عضلي، وندبة طويلة على خده.

وقف أمام زيريوس بصمت، ثم قال:

– "أنا درافين. لا تهمني القوانين، ولا الألقاب. أنا هنا لأجعل جسدك يفهم قبل أن يفهم عقلك."

ضحك البارون ماركوس:

– "إنه لا يزال طفلًا، أيها الفارس."

ردّ درافين:

– "ولهذا السبب سأبدأ مبكرًا. فالعضلات التي لا تنمو الآن… لن تنمو لاحقًا."

علّمه كيف يقف. كيف يتنفّس. كيف يوازن جسده دون أن يسقط.

قال له:

– "لا أريدك أن تقاتل. أريدك أن تدرك ما يعنيه أن تكون عاجزًا… حتى لا تكونه أبدًا."

---

النداء الرابع: المعلم الاقتصادي

وفي اليوم الخامس، دخلت القلعة شخصية غير متوقعة.

شاب في منتصف الثلاثينات، نظيف الهندام، يحمل دفترًا من الجلود الدقيقة، وريشة كتابة معدنية.

– "أنا كاليوس، خريج أكاديمية النقود العليا في غولدبورت. سأعلّمك كيف تُحسب الثروات، وأين تُخبّأ السلطة الحقيقية."

فتح دفتره، وأخرج منه عملات مختلفة.

– "هذه عملة مملكة الشمال، وهذه من الغرب، وهذه قطعة مزوّرة، تسبّبت في إفلاس مدينة كاملة."

ثم نظر إلى زيريوس بعينين ضاحكتين:

– "من لا يعرف كيف تُدار الاسواق، يُباع فيها."

* درس التاريخ الأول

كان المطر يهطل بخفة على نوافذ القاعة الصغيرة التي خُصصت لتعليم وريث داركلين. خشب الجدران تعبق منه رائحة قديمة، وفي الزاوية موقد حجري يبث دفئًا لطيفًا. جلس زيريوس على كرسي مبطن بجلد بني، أمام طاولة واسعة، بينما وقف أورن غراي يُنقّب في حقيبته الجلدية عن مخطوطة صفراء الأطراف.

قال أورن وهو يفرد الرق بعناية:

"أول ما يجب أن تفهمه يا زيريوس، أن التاريخ ليس حكاية مملة، بل هو خريطة… إن أحسنت قراءتها، عرفت من أين يأتي الخطر، وأين تختبئ الفرص."

أومأ زيريوس برأسه، متحمسًا دون أن يُظهر تسرّع الأطفال.

أشار أورن إلى الرق، وقال:

"اسمع جيدًا. عالمنا يُدعى أُولْدِراث، وقد مرّ عبر ستة عصور عظيمة، نبدأ منها بالعصر الأول: عصر الخلق."

العصر الأول – عصر الخلق

"قبل أن تكون هناك إمبراطوريات أو شعوب أو حتى أسماء، كانت هناك العناصر الأولى: النار، الماء، الأرض، والهواء. من تفاعلها، وُلدت الحياة، وظهرت الكائنات الأولى: التنانين العظمى، الأرواح البدائية، وكائنات الضوء والظل."

"لكنهم لم يُشكّلوا العالم، بل كانوا كالنار في الحقول… يحرقون ما يمرّ بهم."

"وحين استقرّت العناصر، جاء عصر التنظيم… وبُعثت الأجناس العاقلة."

العصر الثاني – عصر الأعراق

"في هذا العصر ظهرت الأعراق الكبرى التي تُكوّن عالمنا اليوم: البشر، الإلف، الأورك، الأقزام، أنصاف الوحوش، والشياطين."

"لكل منهم أرضه، وديانته، ولغته. وتكاثرت الحضارات، وبدأت الحروب الأولى. لم تكن حروبًا من أجل المال، بل من أجل البقاء… من يحق له أن يسكن الجبال؟ من يملك الغابة؟ من له الحق في المانا؟"

سأل زيريوس:

"ومن انتصر؟"

ابتسم أورن ابتسامة حزينة:

"لا أحد. لكن من تعلم كيف يخسر ببطء… بقي حيًا."

العصر الثالث – عصر الممالك والإمبراطوريات

"توقفت الحروب الكبرى حين ظهر مفهوم الحكم… بدأ البشر يبنون المدن، ويؤسسون الممالك، وتبعتهم باقي الأعراق."

"وُلدت إمبراطورية فاليريا، التي تنتمي إليها عائلتك، ثم ظهرت سلالات الإلف في الشرق، وتحالفات الأقزام في الجنوب، وقبائل الأورك في الغرب."

"لكن مع ظهور الحكم، ظهر الطمع، وبدأت الخيانات. لا أحد يحكم إلى الأبد، يا زيريوس، إلا من يجعل من كل خيانة، درسًا للمستقبل."

العصر الرابع – عصر الانقسام

"نحن نعيش الآن في هذا العصر… الذي بدأ منذ آلاف السنين، بعد الانشقاقات الكبرى."

"الكنائس انفصلت، الممالك تفكّكت، وتحالفات الأجناس أصبحت هشة. لم يعد هناك عدو واحد يُجمع عليه الجميع… بل أصبح كل عرق يخشى جاره أكثر من الشيطان نفسه."

"لكن هذه الفوضى… هي ما يسمح للذكي أن يبني مجده."

لحظة تأمل

سكت أورن للحظة، ثم نظر إلى زيريوس وقال:

"هل تعرف لماذا أخبرك بهذا في سن الخامسة؟"

هز زيريوس رأسه نفيًا.

أجاب أورن بصوت خافت:

"لأن الطفل الذي يعرف التاريخ… لا يُفاجَأ بالغدر حين يكبر."

قاعة التعليم – اليوم الثالث

وقف السيد أورن إلى جانب خريطة كبيرة تُغطي الجدار الخلفي للقاعة، وقد رُسمت عليها تضاريس قارة إيلومير بحبر دقيق، وحدود حمراء تمثل امتداد الإمبراطوريات البشرية.

جلس زيريوس بهدوء في مقعده، يراقب مدرّسه بعينين حادتين.

"اليوم، يا سيدي الصغير، سنتحدث عن حُكّام العالم البشري الحقيقيين…"

رفع عصاه النحيلة نحو الخريطة:

"قارة إيلومير لا يحكمها ملك واحد، ولا حتى إمبراطور واحد، بل تتقاسمها تسع إمبراطوريات عظيمة، يقود كل واحدة منها عائلة قديمة من السلالات المؤسسة، تلك التي يُقال إنها كانت موجودة منذ فجر العصر الأول."

👑 العائلات التسع الحاكمة

بدأ أورن بذكر الأسماء، بإيقاع ثابت كأنما يُلقّن تراتيل تاريخية:

| رقم | اسم الإمبراطورية | الحاكِم / العائلة الحاكمة |

| 1 | إمبراطورية فاليريا | عائلة فاليريون |

| 2 | إمبراطورية سولارين | عائلة سولاريس |

| 3 | إمبراطورية نيرفال | عائلة نيرفان |

| 4 | إمبراطورية غالدوريا | عائلة غالدور|

| 5 | إمبراطورية إيريديان | عائلة إيريداس |

| 6 | إمبراطورية دراكنهولم | عائلة دراكن |

| 7 | إمبراطورية كارثونيا | عائلة كارثون|

| 8 | إمبراطورية ميلغار | عائلة ميلغار|

| 9 | إمبراطورية سيلفاريون | عائلة سيلفاريون |

اقترب أورن من زيريوس وقال:

"ما تراه على هذه الخريطة هو صورة للحرب المؤجلة…"

"كيف؟" سأل الطفل.

أجاب المعلم بهدوء:

"لأن توازن القوى بين هذه الإمبراطوريات قائم على الخوف، لا على الثقة.

كل عائلة تنتظر الأخرى أن تضعف… لكي تنقضّ."

أضاف:

"التحالفات تتبدل كل عقد… لكن العائلات تبقى، كأنها أعمدة حجر لا تهتز."

بصيرة مبكرة

أخذ زيريوس لحظة ينظر إلى الخريطة، ثم قال بهدوء ناضج لا يليق بسنه:

"وما موقع بارونية داركلين من هذا كله؟"

ابتسم أورليان لأول مرة بإخلاص:

"تساؤلك هذا وحده… يليق بولي عهد.

داركلين الآن نقطة صغيرة…

لكن في لعبة العروش… حتى النقاط الصغيرة تتحول إلى شُهب، إذا امتلكت العقل والنار."

قاعة التعليم – اليوم الرابع

في صباح جديد، جلس زيريوس على الطاولة المعتادة، يرافقه مدرّسه السيد أورن، الذي كان يُمسك بمخطوطة قديمة مرسومة عليها شجرة متعددة الفروع.

قال بهدوء:

"بعد أن تحدثنا عن الإمبراطوريات التسع وعائلاتها… حان الوقت لتفهم يا سيدي الشاب كيف تُبنى السلطة البشرية، ومن أين يأتي النفوذ الذي يحكم الملايين."

التسلسل النبيل

مدّ يده إلى المخطوطة:

"الطبقة النبيلة البشرية ليست مجرد ألقاب فارغة… بل هي نظام صارم، يُحدد مكانة كل شخص، سلطته، وأحيانًا… حتى مصيره."

أشار إلى المخطط، وبدأ يشرح بتسلسل تنازلي:

🟨 الطبقة العليا – السيادة الإمبراطورية:

الإمبراطور

– يحكم الإمبراطورية بأكملها

– ينحدر من إحدى العائلات التسع العظمى

– يمتلك السلطة المطلقة، لكن تحت قيود الطقوس والقوانين القديمة

الملك

– يحكم مملكة واحدة ضمن الإمبراطورية

– غالبًا من نسل ملكي تابع للإمبراطور

– يُدير شؤون الممالك الكبرى بإرادة شبه مستقلة

الأمير

– إما وريث للملك أو أحد أفراد العائلة المالكة

– قد يحكم مقاطعات ضخمة أو يقود جيوشًا أو يتحكم بمناطق استراتيجية

الدوق الكبير

– يتمتع بنفوذ عسكري وسياسي شبه ملكي

– غالبًا ما يكون على حدود الإمبراطورية أو في مناطق مضطربة

الطبقة الوسطى – النبلاء الحاكمون:

الدوق

– يحكم مقاطعة واسعة تضم عدة مدن

– يتحمل مسؤولية جمع الضرائب وتوفير الجند

الماركيز

– يشرف على حدود الممالك أو المناطق الدفاعية

– يُعتبر منصبه عسكريًا أكثر من كونه إداريًا

الكونت

– يحكم مقاطعة صغيرة أو مجموعة بلدات

– يُعتمد عليه في القضايا المدنية والمالية

الطبقة الدنيا – النبلاء المحليون:

الفيكونت

– مسؤول عن بلدة أو منطقة محدودة

– غالبًا ما يُكلّف بإدارة الأمن المحلي

البارون

– يحكم إقطاعية أو بارونية واحدة

– يتمتع بمكانة رفيعة في محيطه، لكنه تابع لدوق أو ملك أعلى

النبلاء دون أراضٍ (نبلاء السيف أو المجد)

– لا يملكون أراضي، لكنهم من سلالة نبيلة

– يُكرَّمون غالبًا لمآثرهم العسكرية أو خدماتهم للملك

وقفة تحليلية

"وأين تندرج عائلتي؟" سأل زيريوس دون تردد.

أجاب أورن مباشرة:

"أنتم من رتبة البارونيات… تحكمون إقطاعية محلية باسم الملك، وتخضعون ضمن التسلسل الإداري لمملكة فاليريا، التي بدورها تندرج تحت إمبراطورية فاليريا."

أضاف:

"لكن بارونية داركلين تختلف عن باقي البارونيات… أنت ابن بارون، وجَدُّك الأكبر كان أحد فرسان الإمبراطور المؤسسين… في عروقكم دم قديم، ولهذا قد يفتح أمامكم الباب للارتقاء."

الأسئلة الذكية

"هل يمكن للبارون أن يُصبح كونتًا؟ أو ملكًا؟"

قال زيريوس بنبرة متأملة.

ضحك أورليان وقال:

"بالدم؟ لا…

لكن بالحرب… بالزواج… بالولاء في اللحظة المناسبة… نعم."

نبالة حقيقية

اقترب أورن، ناظرًا في عيني الطفل:

"يا زيريوس… النبل ليس فقط لقبًا يُورّث، بل سلوك يُكتسب.

وكلما ارتقيت بالمعرفة والحكمة، كلما أصبحت أقل اعتمادًا على ما كُتب في نسبك… وأكثر اعتمادًا على ما تكتبه بيدك."

لاحقا

لقاء مع المدرّب درافين

كانت الشمس تميل غربًا حين فُتح باب الساحة التدريبية الحجرية داخل قلعة داركلين، ليدخل منها رجل ضخم البنية، عاري الذراعين رغم برودة الجو، وعلى خده الأيسر ندبة طويلة تلمع تحت الضوء الخافت.

وقف أمام زيريوس بثبات، لا ينحني، لا يبتسم.

نظراته تخترق، وصوته أجشّ حين نطق أخيرًا:

– "أنا درافين. لا تهمني القوانين، ولا الألقاب. أنا هنا لأجعل جسدك يفهم… قبل أن يفهم عقلك."

كان البارون ماركوس داركلين واقفًا إلى جانب ولده، فابتسم وقال:

– "إنه لا يزال طفلًا، أيها الفارس."

رفع درافين حاجبه وردّ دون تردد:

– "ولهذا السبب سأبدأ مبكرًا. العضلات التي لا تنمو الآن… لن تنمو لاحقًا."

البداية من الجسد

لم يُسلّمه سيفًا، ولم يطلب منه قتالًا. بل أمره بالوقوف… فقط الوقوف.

– "قف هنا… دون أن تميل. دون أن تترك كتفيك مرتخيين."

ثم مشى حوله، يدقق في تموضع ساقيه، في مستوى رأسه، في تنفّسه.

قال بصرامة:

– "أسوأ عدوّ للطفل هو الضعف. وأسوأ عدوّ للنبيل… هو أن يظن أن النسب يكفي."

جلس على الأرض، وأشار للطفل:

– "الآن اجلس بنفس الطريقة. راقب تنفّسك. لا تضيّعه."

قواعد درافين الثلاثة

في اليوم الأول فقط، وضع أمام زيريوس ثلاث قواعد:

لا تسأل: لماذا؟

– الجسد لا يُجادل.

لا تتوقّف دون أمر.

– التعب جزء من التدريب، لا عذر له.

لا تكن كما يُتوقّع منك.

– افعل أكثر… حتى من دون أن يُطلب.

قال له:

– "لا أريدك أن تتقن السيوف… أريدك أن تتقن نفسك.

أن تعرف متى ترتجف، ومتى تقف. متى تُهاجم، ومتى تصبر.

من لا يفهم جسده… لن يفهم القوة أبدًا."

أوّل تعب

بعد نصف ساعة من الوقوف، بدأ جسد زيريوس بالارتجاف.

لكن درافين لم يُشفق.

– "ارتجف كما تشاء… فقط لا تسقط."

ومع أن الطفل كان يئنّ بصمت، إلا أن عينيه بقيتا مثبتتين على عيني مدرّبه… وكأنه يتحدى التعب لا ليثبت شيئًا، بل ليفهم معنى أن يُصبح أقوى.

وعند انتهاء الجلسة، لم يمدّ درافين يده ليساعده، بل قال:

– "كل من ينتظر المساعدة… لن يكون سيدًا في يوم."

في طريق القوّة

خرج درافين من الساحة، تاركًا زيريوس جالسًا على الأرض، يتنفّس بعمق.

تقدمت إليه المربية إليسا، لكن زيريوس رفع يده بهدوء:

– "لا أحتاج شيئًا… فقط دعيني أجلس."

راقبه البارون من بعيد، وأومأ برأسه.

أما روزاليا فكانت تراقب المشهد من نافذتها، ولم تقل شيئًا… فقط وضعت يدها على صدرها، حيث ينبض قلب أمٍ رأت بداية طريق ابنها.

فهم القتال في أولدراث

في اليوم التالي، حضر درافين مُبكرًا إلى القاعة الجانبية التي جُهّزت لتكون غرفة دروس بدنية لزيريوس. جلس الطفل على وسادة قماشية أمامه، متحفزًا، بجانب لوح خشبي نُقشت عليه بعض الرموز، وجانب الطاولة وُضعت مجسمات صغيرة تمثّل مقاتلين.

قال درافين بصوته الخشن:

– "قبل أن تحمل سلاحًا، عليك أن تفهم ما يعنيه القتال في هذا العالم."

ثم بدأ يشرح.

مراتب التدريب الأساسية

"يا زيريوس… البشر، مثل بقية الكائنات في أولدراث، يسيرون على طريق اسمه طريق الزراعة… لا زراعة الأرض، بل زراعة القوة.

كل مقاتل يبدأ من المستوى الأول، ويسير تصاعديًا حتى المستوى العاشر.

لكن ليس الأمر بهذه البساطة… فكل مستوى ينقسم إلى أربع مراحل:

منخفض

متوسط

متقدّم

كمال

قال وهو يشير إلى المجسمات:

– "انظر، هذا تمثال لمتدرب في المرحلة 'المتقدمة' من المستوى الثاني… وهذا في مرحلة 'الكمال' من المستوى الخامس. كلما تقدّمت، أصبح الوصول للمرحلة التالية أصعب عشر مرّات."

رفع إصبعه وأضاف:

– "لكن القوة لا تقاس فقط بالمرحلة، بل بالتطبيق. من يقاتل… غير من يقرأ عن القتال."

أنماط التدريب

"في أولدراث، هناك ثلاثة مسارات تدريب رئيسية:

الجسدي – يستخدم الكي، ويعتمد على تقوية الجسد، السرعة، والتحمل.

السحري – يعتمد على المانا، واستخدام العناصر والقدرات الروحية.

المزدوج – طريق الندرة، من يتقن الاثنين معًا، لكنه طريقٌ أصعب بكثير."

تنهّد درافين وقال:

– "لا يكفي أن تختار الطريق… عليك أن تكون موهوبًا. الموهبة تحدد إن كان جسدك قادرًا على استقبال المانا أو توليد الكي."

🧬 نظام المواهب والأجساد

"كل طفل في هذا العالم، حين يبلغ السادسة، يخضع لاختبار المواهب.

والموهبة تُقسم إلى:

جسدية أو سحرية أو مزدوجة

وتُقيّم بمرتبة:

منخفضة، متوسطة، متقدمة، كمال… ونادرًا، أسطورية."

أشار درافين إلى صدره وقال:

– "أنا موهبتي جسدية… متقدمة. هذا منحني جسدًا خاصًا اسمه 'جسد السندان الصلب'."

ثم تابع:

– "الجسد أيضًا يُصنّف. الجسد العادي يملكه معظم الناس. أما الجسد الخاص… فهو نادر، ويمنح صاحبه أفضلية كبيرة في التدريب."

الفهم قبل التدريب

نظر درافين مباشرة إلى زيريوس:

– "أنت ما زلت صغيرًا، لا يمكنك بدء الزراعة قبل سن العاشرة. لكن ما أزرعه فيك الآن… ستحصده لاحقًا.

ستتعلّم أن تتنفس مع الريح، أن تسقط دون أن تنكسر، أن تتحرّك دون أن تفكر… فالجسد الذكي هو أفضل سلاح."

ضحك البارون ماركوس، الذي كان قد دخل بصمت:

– "ويقولون إن درافين لا يعرف الكلام…"

ردّ المدرب ببرود:

– "أعرفه، لكني لا أستخدمه إلا عندما يكون ضروريًا."

تمهيد لاختبار المواهب

وقبل مغادرته، التفت إلى الطفل وقال:

– "حين تبلغ السادسة، سنجري لك اختبار المواهب، وسنعرف إن كنت تمتلك موهبة… أو شيئًا أعظم.

لكن حتى ذلك الحين، ستتعلّم السيطرة على جسدك، احترام الألم، والانضباط."

ثم غادر الساحة بخطى ثقيلة، تاركًا الطفل زيريوس في حماسة صامتة، وعيناه تلمعان برغبة في الفهم، لا في القتال فقط.

2025/07/24 · 12 مشاهدة · 2385 كلمة
Farajalfa
نادي الروايات - 2025