السنة: 9989 من العصر الرابع – إمبراطورية فاليريا – بارونية داركلين

عمر زيريوس: خمس سنوات

الوجبة الهادئة

كان الصباح ناعمًا، والسماء رمادية خفيفة الغيوم، حين اجتمع أفراد عائلة داركلين حول مائدة الإفطار.

روزاليا، بابتسامتها الأبدية، كانت تُعد شرائح الخبز المدهونة بالعسل لطفلها، بينما البارون ماركوس كان يتصفح مراسلات وصلت من العاصمة.

أما زيريوس، فجلس بهدوء، يمضغ لقيماته بتركيز، وهو يرمق والديه بنظرات متفحصة.

قال ماركوس دون أن يرفع عينيه:

– "هل استوعبت ما قاله أورن غراي بالأمس؟"

هزّ زيريوس رأسه:

– "قال إن المنتصرون هم من يكتبون التاريخ... لكن الكاذبون هم من يخفونه."

ضحكت روزاليا، بينما ابتسم البارون في رضا.

– "أحسنت. اليوم... ستبدأ فهم الوجه الآخر من العالم. السياسة والدماء والنسب."

* دخول الليدي فيرينا

في منتصف الصباح، دخلت القاعة الكبرى سيدة مهيبة، ترتدي عباءة بنفسجية داكنة، وشعرها مرفوع بعناية تحت قبعة مزينة بريش أسود.

انحنت بأدب، ثم قالت بنبرة راقية:

– "اللورد ماركوس، السيدة روزاليا... وريثكما ينتظر دروسه، وأتيت لأعطيه مفتاح العالم النبيل."

نهضت روزاليا لتُحييها:

– "سعيدة بقدومكِ مجددًا، ليدي فيرينا."

أومأت الليدي:

– "الوريث لا ينتظر... فلنبدأ."

درس النبلاء: الإمبراطوريات التسع

جلست الليدي فيرينا أمام زيريوس، ووضعت أمامه لفيفة طويلة من المخطوطات، تُظهر خريطة القارة البشرية الكبرى إيلومير.

قالت:

– "هناك تسع إمبراطوريات بشرية كبرى، يا زيريوس... كل واحدة منها يُحكمها بيت قديم من بيوت النبلاء، تشكلوا منذ آلاف السنين."

ثم بدأت تشرح له الواحدة تلو الأخرى، وهي تشير إلى الخريطة بريشتها الطويلة:

* قائمة الإمبراطوريات التسع كما شرحتها فيرينا:

إمبراطورية فاليريا – تحكمها عائلة فاليريون

الموقع: وسط إيلومير

تُعد الأكثر تأثيرًا دبلوماسيًا.

مملكة فاليريا تابعة لها، ومنها بارونية داركلين.

إمبراطورية سولارين – تحكمها عائلة سولاريس

جنوب غرب القارة

تشتهر بجيش الشمس ونظام شرف صارم.

إمبراطورية نيرفال – تحكمها عائلة نيرفان

أقصى الشمال

تعيش في صقيع دائم، وشعبها معتاد على البرد والحرب.

إمبراطورية غالدوريا – تحكمها عائلة غالدور

شرق القارة

ملوك السحراء، متقدمون في علوم الفلك والسحر الإضائي.

إمبراطورية إيريديان – تحكمها عائلة إيريداس

شمال شرق

تُعد الأكثر انغلاقًا، وتحكمها قوانين سرّية معقدة.

إمبراطورية دراكنهولم – تحكمها عائلة دراكن

الجنوب

إمبراطورية عسكرية صلبة، شعارها: الحديد أولًا.

إمبراطورية كارثونيا – تحكمها عائلة كارثون

الغرب

قوة اقتصادية، تُدير نصف التجارة البحرية في القارة.

إمبراطورية ميلغار – تحكمها عائلة ميلغار

جنوب شرق

إمبراطورية زراعية تعتمد على خصوبة الأرض، وتحالفها مع الأقزام.

إمبراطورية سيلفاريون – تحكمها عائلة سيلفاريون

أقصى الجنوب الغربي

معروفة بمكتباتها وسدنتها، وأكاديميات تدريب النبلاء.

الخلاصة:

قالت فيرينا بنبرة متزنة:

– "لكل إمبراطورية خصوم، حلفاء، ودماء قديمة.

وظيفتك كنبيل… ألا تُخطئ الحلفاء من الأعداء."

ثم أمسكت بلفافة عليها خريطة معقّدة لتوزيع الممالك الفرعية، وقالت:

– "وهذا، يا وريث داركلين، سيكون دليلك لمئات الحُكّام من تحتك وفوقك."

التسلسل النبيل

فتحت الليدي فيرينا كتابًا جلديًا عتيقًا، أوراقه محاطة بإطار ذهبي، يحمل شعار التاج المزدوج.

نظرت إلى زيريوس وقالت بنبرة صارمة:

– "لا يكفي أن تعرف من يحكم الإمبراطوريات… بل يجب أن تفهم كيف تُبنى السلالات تحتهم، وكيف يُحكم الناس بالألقاب."

أشارت بإصبعها إلى الهرم المصوّر في الصفحة الأولى، ثم بدأت تشرح:

الهرم النبيل في القارة البشرية – إيلومير

القمة:

الإمبراطور: الحاكم الأعلى للإمبراطورية، سلطته فوق الجميع، لا يُراجع، ولا يُحاسب إلا بالحرب.

– لكل إمبراطورية إمبراطور واحد، يرث الحكم غالبًا من سلالة قديمة.

الطبقة العليا:

الملك (King): يحكم مملكة كبرى داخل الإمبراطورية. يُقسم بالولاء للإمبراطور مباشرة.

– نادرًا ما يوجد أكثر من ملك واحد في كل مملكة، وغالبًا ما يكون من نسل نبيل قديم.

الأمير الملكي (Prince Royal): وريث العرش الملكي، وقد يُرسل كحاكم لمقاطعة أو مملكة فرعية.

الطبقة الوسطى:

الدوق الكبير (Grand Duke): يحكم منطقة شاسعة تُقارب المملكة، وله جيش ونظام إداري مستقل جزئيًا.

الدوق (Duke): يحكم إقليمًا كبيرًا داخل المملكة، ويملك قلاعًا متعددة.

الماركيز (Marquis): حاكم مقاطعة حدودية أو عسكرية، يتم اختياره غالبًا من فرسان الحرب الكبار.

الكونت (Count): يحكم منطقة فرعية متوسطة، غالبًا مدينة كبرى وما حولها.

الطبقة الدنيا:

الفيكونت (Viscount): تابع للكونت، يُكلف بحكم بلدة أو مجموعة قرى.

البارون (Baron): مثل والدك يا زيريوس، يحكم أراضٍ محددة، وقد يكون مستقلًا إداريًا أو تابعًا لإقليم.

اللورد المحلي (Local Lord): ليس من طبقة النبلاء الكاملة، بل يُمنح سلطة محدودة على منطقة صغيرة مقابل الضرائب أو الخدمة العسكرية.

النبلاء غير الإقطاعيين

قالت فيرينا:

– "وهناك نبلاء لا يحكمون أرضًا، لكنهم يُمنحون ألقابًا شرفية لخدمتهم في البلاط أو في الحرب، مثل:"

الفارس (Knight): يُمنح لقب الشرف بعد خدمة عسكرية أو حراسة.

المستشار (Advisor): من طبقة الحكماء النبلاء.

السفير (Envoy): من يُمثّل المملكة أو الإمبراطورية في الخارج.

ثم قالت:

– "لكن تذكّر يا زيريوس… من دون أرض، لا سلطان لك. ومن دون ولاء من تحته، لا يدوم سلطانك طويلًا."

النسب والمكانة

أخرجت الليدي فيرينا ورقة تحمل شعار عائلة داركلين، وقالت:

– "عائلتك، آل داركلين، تحمل لقب البارونية منذ سبعة أجيال. وتقع تحت مملكة فاليريا، التابعة بدورها لإمبراطورية فاليريا."

ثم أكملت:

– "لكن لا تنخدع… فبعض البارونات أقوى من دوقات، وبعض الفيكونتات يتحكمون بثروات أكبر من الملوك.

المكانة في أولدراث لا تُقاس باللقب فقط… بل بوزنك في موازين السياسة."

حكمة النبلاء

اختتمت فيرينا الدرس بجملة ودوّنتها أمام زيريوس بخط أنيق:

"في عالم النبلاء، الكلمة تقتل أكثر من السيف، والنسب يحكم حتى الملوك."

* سلاسل من تحالف… وخيانة

جلست الليدي فيرينا قرب الشُرفة، تُقلّب صفحات دفتر سميك مرقّم بعناية.

قالت بصوت هادئ، كمن يروي حكاية لا يريد لأحد أن يسمعها:

– "أتعلم يا زيريوس؟ الممالك لا تسقط بالحروب فقط… بل بالزواج."

رفع حاجبيه بدهشة.

ابتسمت ووضعت ورقة أمامه، عليها جدول طويل، مرسوم فيه سلاسل نسب لعشرين عائلة:

– "التحالفات السياسية تُبنى بقرارات زواج مدروسة أكثر من بناء القلاع. كل أمير يتزوج أميرة من مملكة مجاورة… يعني ضمانًا ضد الغزو، أو على الأقل تأجيله."

أشارت إلى سطر محدد:

– "انظر هنا… بيت فالامير عقد زواجًا مع بيت نورفال، وظنّ الجميع أنه اتحاد أخوي، لكنه كان مجرّد خطة للوراثة عبر الابن الثالث… وبعد ثلاثين عامًا، تم ضم المملكة بالكامل دون قطرة دم."

اللعب في الظلال

أكملت وهي ترفع يدها ببطء:

– "ثم هناك أولئك الذين لا يظهرون في الرسم الرسمي للنسب… أبناء غير شرعيين، أو تحالفات سرية، أو ألقاب مزوّرة."

سحبت لفافة أخرى، وقالت:

– "هذه أسماء نبلاء سقطوا لأنهم صدّقوا أن اللقب وحده يمنحهم القوة."

فتح زيريوس عينيه بدهشة وهو يقرأ الاسم الأول:

– الدوق ألتران، خانته زوجته التي كانت في الأصل جاسوسة لصالح بيت أورليف.

الثاني:

– الكونت بيلدران، أعدم أبناءه الأربعة ظنًا أنهم أبناء عشيق زوجته… وتبيّن أن الأمر كان كذبًا دسّه خادم مرتشٍ.

* قاعدة فيرينا الذهبية

اقتربت منه وهمست:

"اعرف من تُدخل دمك إليه… فالخيانة تسري في العروق أسرع من السم."

ثم كتبت قاعدة بخطٍ عريض:

"لا تحكم بحد السيف وحده… بل بحكمة النسب."

* سياسة الخنجر المغلّف

قالت:

– "ليس كل نبلاء القارة أعداءك. بعضهم سيقدم لك الهدايا… والبعض سيطلب يد أختك… والبعض سيظهر في جنازتك إن أخطأت."

وقبل أن تُنهي الدرس، نظرت إليه نظرة طويلة:

– "يوماً ما، ستجلس في مجلس فيه ملك… ودوق… وكونت… وعبدٌ سابق… ولن يهم من أيهم الأقوى، بل من يعرف خفايا الآخرين أكثر."

* النهاية المؤقتة

وأنهت الليدي فيرينا الدرس الثالث بقولها:

– "سأعلّمك كل ما أعرف… لكن تذكّر: السياسة الحقيقية تُصنع في الصمت، لا على الطاولات."

ثم خرجت بصمت، تترك خلفها دفترًا مفتوحًا على صفحة عنوانها:

"عائلات يجب أن لا تُخدع بها – قائمة أولى."

تأملات في المرآة

كانت شمس الغروب ترسم خيوطًا حمراء على جدران القلعة، حين دخل زيريوس غرفته وحده، منهكًا من كمّ الدروس التي تلقّاها.

وقف أمام المرآة البرونزية المثبتة على الجدار، ينظر إلى عينيه بتأمل.

لم يكن يرى "طفلًا"، بل شيئًا بدأ في التشكل… فكرة، ظلًّا، إرثًا.

تذكر كلمات كل معلم، صوت أورن غراي وهو يقول:

"التاريخ يُروى بأكاذيب المنتصرين."

ثم نبرة الليدي فيرينا الجافة:

"افهم نسبك… أو ستُسحق تحت نسب غيرك."

وصوت درافين الجاف كالحديد:

"من لا يوازن جسده… لا يقف طويلًا يوم السقوط."

وهمسات كاليوس المرحة:

"من لا يعرف كيف تُدار الأسواق… يُباع فيها."

العقل الذي ينمو

جلس على سريره، يسحب دفتراً صغيرًا خُصص له، خطّ عليه بعض الملاحظات بخطه المتعرج:

التاريخ ليس حكاية… بل أداة.

ليس كل من يبتسم لي… يريد الخير لي.

أن أكون ضعيفًا اليوم، لا يعني أن أبقى كذلك.

المال ليس عملات… بل قرارات.

جسدي سيحملني فقط إن دربته كما يجب.

حديث مع والده

في تلك الليلة، دخل البارون ماركوس غرفته بهدوء، وجلس قربه دون أن يُصدر صوتًا.

قال زيريوس:

– "أبي… لم أعد أرى العالم كما كنت."

ابتسم البارون:

– "وهذه أول خطوة للرجولة."

– "كل شخص حولي يحمل شيئًا… لا يُقال."

– "هكذا تسير الحياة يا بني. الكلمات تخدع… لكنك يجب أن تتعلم كيف ترى ما وراءها."

ثم وضع يده على كتف ابنه:

– "أنت لا تتعلم لتكون نبيلًا فقط… بل لتكون شيئًا أكبر من الألقاب."

وفي صمت الليل، غطّ زيريوس في نوم عميق.

لكنه لم يكن نوم طفلٍ بريء…

بل نوم عقلٍ يعمل… يُخطط… ويتشكل.

فمن رحم التعليم، وُلدت النواة الأولى لوريث لن يكون مثل غيره.

2025/07/24 · 11 مشاهدة · 1387 كلمة
Farajalfa
نادي الروايات - 2025